وهكذا نجد أن مقطع القبلة في فقراته الثلاث قد تكاملت المعاني فيه حتى وضع قضية القبلة في محلها في حياة هذه الأمة، مبينا قيمة هذا التوجه الكريم إلى كعبة إبراهيم.
٢ - يلاحظ أن مقطع (إبراهيم) عليه السلام قد وردت فيه دعوة إبراهيم لذريته وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وفي مقطع القبلة يمن الله على هذه الأمة أنه فعل ذلك.
ويأتي ذلك في معرض الكلام عن اتخاذ كعبة إبراهيم قبلة: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. وفي ذلك من تكامل المقطعين وترابطهما ما فيه.
٣ - جاء مقطع القبلة في سياق القسم المبدوء بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... فهو يعرفنا على قضية من قضايا العبادة. وهي التوجه إلى الله في العبادة، التي هي عمود الإسلام لله رب العالمين. فمحل المقطع في سياق قسمه واضح المعالم.
٤ - وكان مقطع القبلة استمرارا للحوار مع أهل الكتاب. وهو حوار فتح منذ مقطع بني إسرائيل، واستمر في مقطع إبراهيم، ولا يزال.
٥ - إن المقطع اللاحق لمقطع القبلة مبدوء بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. ومقطع القبلة له صلة بالصلاة. فصلة ذلك ببعضه، وصلة ذلك بالعبادة، وصلة ذلك كله بقضية التقوى التي جاءت مقدمة سورة البقرة، لتقرر فيها الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ .... ثم صلة ذلك كله بقضية الهداية الربانية. وهي ما أوصلتنا إلى وجوبه قصة آدم. إن صلات ذلك كله ببعضه لا تخفى على المتأمل. وما يفوت كل متأمل على حدة من إدراك الصلات، وما يفوت الجميع كثير كثير.
٦ - يلاحظ أن مقطع القبلة سبق بمقطعين كانا بمثابة المقدمتين له. لقد رأينا كيف شوش أهل الكتاب على المسلمين في موضوع القبلة. فكان مقطع بني إسرائيل وما ذكر فيه بمثابة تفريغ للثقة أصلا بأهل الكتاب عامة، وباليهود خاصة. فكان كالمقدمة الأولى لجعل هذا التشويش لا قيمة له. ثم جاء مقطع إبراهيم فكان استمرارا لعملية تحطيم الثقة، وتمهيدا لقضية القبلة. فكان كالمقدمة الثانية. ثم جاء مقطع القبلة.
فإذا تذكرنا هذا. وتذكرنا ما مر معنا من قبل ندرك درسا من دروس الحكمة