وإذ تتقرر هذه المعاني فإن تتمة السورة تنذر وتبشّر، وترد وتحكم، وتأتي خاتمتها لتقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا* فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا* وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً.
إن هذا الختام للسورة يأتي بعد ردود وإنذارات- كما سنرى- فلنتذكر الآن محور سورة مريم من البقرة: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أصبحوا كفارا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
ويوم بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يبق على وجه الأرض مسلم، كما هو معلوم من قصة سلمان الفارسي فبعث الله محمدا بالقرآن بشيرا ونذيرا والسورة تقرر هذه الحقيقة.
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
وقد أنزل الله القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
فلتحذر هذه الأمة ذلك، وخاصة الظلم، وترك الصلوات، واتباع الشهوات.
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وهذه بشارة لأهل الإيمان وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* والصراط المستقيم هو العبودية لله، وذلك بالدخول الكامل في الإسلام.
والسورة تسير من الآن فصاعدا مبشرة ومنذرة، والأمر الذي سبق ذلك هو فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ وهو الأمر اللازم لعملية التبشير والإنذار، فبدون عبادة لله لا يستطيع الإنسان أن يقوم بواجب التبشير والإنذار فليعلم الدعاة إلى الله ذلك.
...
تتألف السورة من مقطعين: المقطع: المقطع الأول يتألف من ثلاث مجموعات مترابطة، والمجموعة التي عرضناها آنفا هي بداية المقطع الثاني، ورأينا ارتباطها بما قبلها
وسنعرض بقية المقطع الثاني عرضا واحدا مع ملاحظة أن الآية الأولى في التتمّة هي:
وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً.