لأن جزءا منه لا يحتاج لتكرار. وقد رأينا حتى الآن أن الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة فصلتها سورة آل عمران نوع تفصيل. ثم جاءت سورة يونس ففصلت الآية الأولى منها نوع تفصيل، والآن تأتي سورة طه لينصب تفصيلها على الآية الرابعة والخامسة بشكل مباشر أي على قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*.
وسنرى في القسم الثالث من أقسام القرآن- قسم المثاني- كيف أن سورا كاملة تفصل الآية الثالثة من هذه الآيات الخمس، أو تفصل الآيات الخمس تفصيلا جديدا أو تفصل ما فصلته سورة أخرى، ولكن بشكل آخر، ومعان أخرى، وبأسلوب آخر، وجرس جديد، ومن تأمل مثل هذا فقط، وكيف أن القرآن قد عرض للموضوع الواحد عشرات المرات، كل مرة ضمن سياق خاص، وبجرس خاص، عرف أن مثل هذا لا يدخل ضمن طاقة البشر، ولا علمهم، ولا بيانهم، ولا إمكانياتهم؛ فسبحان الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد إمام الأولين والآخرين، وسيد المرسلين، الذي خصه الله بهذا القرآن المبين.
تتألف السورة من مقدمة، ثم من قصة موسى عليه السلام على ثلاثة مراحل، ثم فاصل، ثم قصة آدم عليه السلام، ثم خاتمة.
تتحدث مقدمة السورة عن حكمة إنزال القرآن، وتعرفنا على الله منزل هذا القرآن، ثم تحدثنا عن نبوة موسى عليه السلام وجولته الأولى مع فرعون، ثم تحدثنا السورة عن الجولة الثانية مع فرعون، ثم تحدثنا السورة عن مرحلة من مراحل حياة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، ثم تأتي فاصلة تتحدث عن هذا القرآن، وعن كونه يقص علينا من أخبار الماضين، وعن جزاء المعرضين عنه، وعن بعض خصائصه، ثم تأتي قصة آدم عليه السلام لتصل كذلك إلى موضوع جزاء الإعراض عن كتاب الله، ثم تأتي الخاتمة لتناقش المعرضين، وتأمر المستجيبين، وتقيم الحجة على المعاندين، فهي تدفع الإنسان في الطريق إلى الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وتدفعهم إلى الإيمان باليوم الآخر لتوصلهم إلى الهدى والفلاح؛ فهي كما قلنا تفصل بشكل مباشر قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*.