٢ - بمناسبة قوله تعالى وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ذكر ابن كثير ما أسماه بحديث الفتون الذي استغرق أربع صفحات من تفسيره، ثم ختمه بأن علق عليه بقوله:(وكأنه تلقاه ابن عباس مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار. أو غيره والله أعلم، ثم قال:
وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك) أقول: الذي يبدو: أن هذا الكلام الذي قاله ابن عباس هو حصيلة ما يمكن أن يكون سمعه من أهل الكتاب، أو فهمه من القرآن أو سمع بعضه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا عرفنا قيمة النقل عن أهل الكتاب فيما هو عنهم، فلا حرج علينا من نقله، خاصة وقد أخرجه النسائي في سننه.
قال ابن كثير ناقلا عن النسائي بسنده إلى سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله عزّ وجل لموسى عليه السلام وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فسألته عن الفتون ما هو فقال: استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها حديثا طويلا. فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك لا يشكون فيه، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا ليس هكذا كان وعد إبراهيم عليه السلام، فقال فرعون: كيف ترون.
فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه. ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، قالوا: ليوشكن أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي يكفونكم؛ فاقتلوا عاما كل مولود ذكرا، واتركوا بناتهم، ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم؛ فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولم يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية آمنة. فلما كان من قابل، حملت بموسى عليه السلام، فوقع في قلبها الهم والحزن، وذلك من الفتون يا ابن جبير، ما دخل عليه وهو في بطن أمه مما يراد به. فأوحى الله إليها وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم. فلما ولدت فعلت ذلك، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها: ما فعلت بابني لو ذبح