الأول: قاله ابن عباس وهذا هو: (كانت السموات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات) وهذا الاتجاه في التفسير يتفق مع ما يقوله علماء الكون. فعلماء الكون يقولون: إن الأرض كانت كتلة نارية ولهم أدلة في ذلك تكاد تجعل المسألة من باب القطعيات، فإذا كان الأمر كذلك فإن الأرض كانت أيام ذلك لا تنبت وكانت سماؤها لا تمطر.
الاتجاه الثاني قاله سعيد بن جبير وهذا هو كما نقله ابن كثير:(بل .. كانت السماء والأرض ملتزقتين فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه) وهذا الكلام نفسه يتفق مع أدق النظريات العلمية في عصرنا، فالملاحظات العامة في هذا الكون أن بعض المجرات تنطلق بسرعة هائلة خارجة عن مركز الكون، مما يدل على أن هذا الكون كان ملتزقا، وكان كتلة واحدة، ويؤكد ذلك أنه من خلال طيف الإشعاعات تأكد أن مادة الكون واحدة وهناك نظرية أخرى لا تتحدث عن الكون كله وإنما عن المجموعة الشمسية أنها كانت كتلة واحدة وكل من هاتين النظريتين العلميتين تتفق مع قول سعيد بن جبير في الآية.
فعلى تفسير ابن عباس أو تفسير سعيد بن جبير فإن الآية أشارت إلى شئ لم يعرفه الإنسان إلا متأخرا. والملاحظ أن الذين طرحوا كلا من النظريتين الكافرون، فكأنه في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا إشارة إلى أن الكافرين سيكتشفون هذه الحقائق ويبرهنون عليها، وفي ذلك كله مظاهر من إعجاز هذا القرآن، الذي لا تتناهى عجائبه، وهنا يثور سؤال يثيره النسفي ويرد عليه. قال النسفي: فإن قيل متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ حتى ألزمهم الله بحجيتها عليهم (قلنا- القول للنسفي- إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد). أقول:
فكم في هذه الآية من حجة وكم فيها من معجزة؟!
٢ - فهم بعضهم من قوله تعالى وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أن الميدان هو الدوران. ففهم من الآية أن الأرض لا تدور، وهذا فهم خاطئ فإن الجبال تمنع الميدان وهو الاضطراب، ولا تتحدث عن الدوران، وهذا الذي ذكره القرآن، هو الذي دلل العلم الحديث عليه بوسائله المتوفرة، إذ من المعلوم علميا أنه لولا الجبال لكانت القشرة الأرضية في حالة تشققات دائمة، بسبب تزحلق القشرة الأرضية على طبقة السيما وهي الطبقة الثانية في الأرض وبالتالى فإن الزلازل تكون دائمة والبراكين