للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهود في الشرق، ولا سيما في بابل وكردستان من القرن الرابع عشر الميلادي، أن يؤدوا فريضة الحج مرة في السنة، على أقل تقدير، وكان عدد منهم يقوم بهذا الحج مشيا على الأقدام، وقد كانت الحروب الصليبية مشجعة لليهود في أوروبا على الحج والزيارة، وفي عام ١٤٩٢ م عند ما أجلي اليهود من أسبانيا، وهاجر عدد كبير منهم إلى مناطق المسلمين، تضاعف عدد اليهود الزوار، وربما كانوا يجتمعون على قبر النبي صموئيل في قرية الرامة (١)، حيث كانت تقوم أسواق عيدهم السنوي، وتقام التقاليد الدينية.

يعاتب اليهود إخوانهم القاطنين في بلدان أخرى، الذين ضعفت فيهم رغبة الحج والزيارة، وزهدوا فيهما، بينما ينتهز المسيحيون الفرص لزيارة الأرض المقدسة.

وللحج أيام معينة يسميها اليهود في الشرق وشمالي إفريقيا أيام الزيارة، وقد شاع فيهم أن يزوروا فيها قبور عظمائهم، ومنهم من اشتهر كملك، أو كنبي، أو كصالح وولي، وهم يحتفلون بهذه الأيام بالإكثار من الأدعية وإظهار الفرح والسرور، شأنهم في الأعياد العامة، ويجتمعون بين مساء اليوم السابع عشر من تموز إلى اليوم التاسع من (آب) ثلاثة وعشرين يوما متوالية، مقابل الجدار الغربي لهيكل (سليمان)، وتبتدئ هذه العبادة في اليوم التاسع من آب، من نصف الليل.

وهنالك مشاهد وضرائح وأمكنة محلية، يشد إليها الرحال في كل قطر وبلد (٢)).

أما الحج والزيارة عند المسيحيين، فهذه خلاصة لما جاء في (دائرة الأديان والأخلاق).

(الحج: اسم للرحلة التي يقوم بها الإنسان لزيارة المشاهد المقدسة، مثل مشاهد الحياة الدنيوية لسيدنا عيسى عليه السلام في فلسطين، أو مراكز زعماء الدين المقدسة في (روما)، أو الأمكنة المقدسة التي تنسب إلى المقبولين من الزهاد والشهداء.

إن الجيل المسيحي الأول لم يشعر بضرورة زيارة مشاهد المسيح والتبرك بها، بالنسبة إلى المتأخرين الذين عنوا بذلك أكثر، ولكن انتشرت هذه الزيارة من القرن الثالث المسيحي، وقد شغف عدد كبير من المسيحيين بالبحث عن مشاهد المسيح وآثاره،


(١) قرية في فلسطين (الجليل).
(٢) راجع دائرة المعارف اليهودية. عنوان. «Pilgrimage»
الأساس فى التفسير، ج ٧، ص: ٣٥٨٩
وزيارتها، وعنوا بذلك أكثر مما عنوا بتتبع تعاليمه ووصاياه.
وقد شاعت زيارة مشاهد روما من القرن الثالث عشر على حساب زيارة الأرض المقدسة، وإن لم تنقطع زيارة الأرض المقدسة بتاتا، وكانت (روما) المدينة التي تلي بيت المقدس في الأهمية، يؤمها الناس للزيارة في عدد كبير وجم غفير.
إن الأسباب التي بلغت بها البابوية قمتها، جعلت روما مركزا للزيارة، ولا سيما، وأن ضريحي القديس بطرس، والقديس بولس قد أضفيا عليها من العظمة والجلال ما جعلها مثابة للمسيحيين الكاثوليك في العالم كله، وازدحموا فيها ازدحاما كبيرا، وقد كان إقبال الزوار عظيما على سراديب الأموات «١» (Cata combs) التي تقدس لأجل عظام الشهداء، إن الزوار لم يتوقفوا عن زيارة (روما) في أي فترة من فترات التاريخ، وقد جعلتها كثرة الكنائس والآثار التاريخية المقدسة محط أنظار الناس في كل زمان.
والقارئ يتخم بكثرة أسماء القبور والضرائح والمشاهد العامة في أرض فلسطين، والمحلية المنتشرة في كل قطر أو ولاية، أو بلد يقطنه اليهود والمسيحيون من زمن بعيد، وصاحب مقال (الحج والزيارة) في (دائرة المعارف اليهودية) وفي (دائرة الديانات والأخلاق) يسرد أسماء ضرائح ومشاهد للصالحين والمقبولين في أقطار أوروبية وآسيوية مختلفة، ويذكر الأيام والشهور التي تزار فيها، وما لهذه الزيارات من آداب وتقاليد، وإذا تأمل القارئ في مدى اهتمام اليهود والمسيحيين بهذه المشاهد، وتقديسهم لها، وتجشم الأسفار والمتاعب في سبيلها، وكيف شغلتهم واستحوذت على مشاعرهم في كل زمان ومكان، وكيف أثارت فيهم الغلو في

<<  <  ج: ص:  >  >>