للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه المعاني الكثيرة فهي دلت على طريق التقوى، وفصلت في ماهية التقوى وعلاماتها وآثارها.

وفي عملية تفصيل قضية التقوى، وتحديد مشاعر المتقين، وبعض شعائرهم، عرضت السورة لقضية مهمة وهي وحدة المتقين، ووحدة هدفهم، وضرورة سيرهم في طريق الصراع مع الكفر، فالنصر الرباني موعود به المتقون؛ إذا تحققوا بمواصفات خاصة، هذه المواصفات ضرورية كيلا تفسد الأرض، فمن طلب النصر الرباني بدون تحقيق الشروط في نفسه من المسلمين، أو عجب من عدم نزول النصر دون بذل وعطاء، وتحقق وفداء، وعمل مشترك مستقيم، فإنما هو من الجاهلين، ومن ارتد استبطاء للنصر فإنه من الكافرين، وهذا كله عرض في السورة.

ولما كانت نقطة البداية في السير نحو التقوى هي عبادة الله، ولما كانت نقطة الانحراف الكبرى هي عبادة غير الله، فقد ختمت السورة في تفنيد عبادة غير الله، كما ختمت بتحديد مجموعة الأمور التي هي من التقوى، أو من الطريق الموصل إليها، أو من المعاني التي تبعث على السير، إن شعور المسلم بالاعتزاز- إذ يصطفيه الله، وإذ يعطيه اسمه- يبعث على السير والأمر بالركوع والسجود والعبادة، وفعل الخير والجهاد الشامل المخلص، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والاعتصام بالله، كلها قضايا من التقوى، وهي وسائل إليها كذلك، وأجزاء منها في كل حال.

وهاهنا نحب أن نسجل شيئا: إن آية يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قد فصلتها سورة النساء بشكل، وفصلت قسما منها سورة هود بشكل، وفصلتها سورة الحج بشكل، وسنرى أن سورا كثيرة قادمة ستفصلها بشكل وبآخر؛ مما يدل على أن محل هذه المعاني من الضخامة في الإسلام إلى الحد الذي لا يستقصى، وسنرى أن بعض آيات في سورة البقرة تفصل باستمرار، وبكل قسم تقريبا، مما يشير إلى أهمية التذكير المستمر بهذه المعاني بالنسبة لدين الله وبالنسبة لنفس الإنسان.

ولا يخطرن ببال أحد أن المعنى إذا لم يتكرر فإنه يكون فاقد الأهمية، أو قليلها، فهذا كفر، إن المسألة على الشكل التالي: إن هناك معنى تحتاج النفس البشرية أن تذكر فيه ليل نهار، وأن يعرض عليها بأشكال شتى فمثل هذا تجده يتكرر بشكل ثم بآخر،

<<  <  ج: ص:  >  >>