للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الارتقاء والكمال، التي يمتاز بها جنين الإنسان.

إن الجنين الإنساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه الإنساني فيما بعد. وهو ينشأ خَلْقاً آخَرَ في آخر أطواره الجنينية؛ بينما يقف الجنين الحيواني عند التطور الحيواني. لأنه غير مزود بتلك الخصائص. ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتجاوز الحيوان مرتبته الحيوانية، فيتطور إلى مرتبة الإنسان تطورا آليا- كما تقول النظريات المادية- فهما نوعان مختلفان. اختلفا بتلك النفخة الإلهية التي بها صارت سلالة الطين إنسانا. واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص المعينة الناشئة من تلك النفخة والتي ينشأ بها الجنين الإنساني خَلْقاً آخَرَ. إنما الإنسان والحيوان يتشابهان في التكوين الحيواني؛ ثم يبقى الحيوان حيوانا في مكانه لا يتعداه. ويتحول الإنسان خلقا

آخر قابلا لما هو مهيا من الكمال. بواسطة خصائص مميزة، وهبها له الله عن تدبير مقصود لا عن طريق تطور آلي من نوع الحيوان إلى نوع الإنسان (١)

فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ .. وليس هنا من يخلق سوى الله. فأحسن هنا ليست للتفضيل، إنما هي للحسن المطلق في خلق الله.


(١) تقوم نظرية النشوء والارتقاء على أساس مناقض. إذ تفترض أن الإنسان ليس إلا طورا من أطوار الترقي الحيوانية.
وتفترض أن الحيوان يحمل خصائص التطور إلى مرتبة الإنسان. والواقع المشهود يكذب هذا الفرض لتفسير الصلة بين الحيوان والإنسان. ويقرر أن الحيوان لا يحمل هذه الخصائص. فيقف دائما عند حدود جنسه الحيواني لا يتعداه.
وقد يثبت تطوره الحيواني على نحو ما يقول دارون أو على أي نحو آخر. ولكن يبقى النوع الإنساني متميزا بأنه يحمل خصائص معينة تجعل منه إنسانا ليست نتيجة تطور آلي. إنما هي هبة مقصودة من قوة خارجية.
وإن الناس ليقفون دهشين أمام ما يسمونه (معجزات العلم) حين يصنع الإنسان جهازا يتبع طريقا خاصا في تحركه، دون تدخل مباشر من الإنسان .. فأين هذا من سير الجنين في مراحله تلك وأطواره وتحولاته، وبين كل مرحلة ومرحلة فوارق هائلة في طبيعتها، وتحويلات كاملة في ماهيتها؟ غير أن البشر يمرون على هذه الخوارق مغمضي العيون، مغلقي القلوب، لأن طول الألفة أنساهم أمرها الخارق العجيب .. وإن مجرد التفكير في أن الإنسان- هذا الكائن المعقد- كله ملخص وكامن بجميع خصائصه وسماته وشياته في تلك النقطة الصغيرة حتى لا تراها العين المجردة، وإن تلك الخصائص والسمات والشيات كلها تنمو وتتفتح وتتحرك في مراحل التطور الجنينية حتى تبرز واضحة عند ما ينشأ خلقا آخر. فإذا هي ناطقة بارزة في الطفل مرة أخرى. وإذا كل طفل يحمل وراثاته الخاصة فوق الوراثات البشرية العامة. هذه الوراثات وتلك التي كانت كامنة في تلك النقطة الصغيرة .. إن مجرد التفكر في هذه الحقيقة التي تتكرر كل لحظة لكاف وحده أن يفتح مغاليق القلوب على ذلك التدبير العجيب الغريب .. )

<<  <  ج: ص:  >  >>