للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرفرفات الروحية، والأشواق العلوية؛ ومن كل الآداب التي تجمعت حول الجنس في تاريخ البشرية الطويل؛ ويبديه عاريا غليظا قذرا كما هو في الحيوان، بل أشد غلظا من الحيوان. ذلك أن كثيرا من أزواج الحيوان والطير تعيش متلازمة، في حياة زوجية منظمة، بعيدة عن الفوضى الجنسية التي يشيعها الزنا- وبخاصة البغاء- في بعض بيئات الإنسان!

ودفع هذه النكسة عن الإنسان هو الذي جعل الإسلام يشدد ذلك التشديد في عقوبة الزنا .. ذلك إلى الأضرار الاجتماعية التي تعارف الناس على أن يذكروها عند الكلام عن الجريمة، من اختلاط الأنساب، وإثارة الأحقاد، وتهديد البيوت الآمنة المطمئنة .. وكل واحد من هذه الأسباب يكفي لتشديد العقوبة. ولكن السبب الأول وهو دفع النكسة الحيوانية عن الفطرة البشرية، ووقاية الآداب الإنسانية التي تجمعت حول الجنس، والمحافظة على أهداف الحياة العليا من الحياة الزوجية المشتركة القائمة على أساس الدوام والامتداد ... هذا السبب هو الأهم في اعتقادي. وهو الجامع لكل الأسباب الفرعية الأخرى.

على أن الإسلام لا يشدد في العقوبة هذا التشديد إلا بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل، ومن توقيع العقوبة إلا في الحالات الثابتة التي لا شبهة فيها.

فالإسلام منهج حياة متكامل، لا يقوم على العقوبة؛ إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة. ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة ويتمرغ في الوحل طائعا غير مضطر.

وفي هذه السورة نماذج من هذه الضمانات الوقائية الكثيرة ستأتي في موضعها من السياق ..

فإذا وقعت الجريمة بعد هذا كله فهو يدرأ الحد ما كان هناك مخرج منه لقوله صلى الله عليه وسلم:

«ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» (١) لذلك يطلب شهادة أربعة عدول يقرون برؤية الفعل أو اعترافا لا شبهة في صحته.


(١) أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>