للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وفي نظرة متأملة لسورة البقرة، نجد كأن هذا المقطع يبني على المقاطع الثلاثة الأولى في القسم الأول، وعلى مقدمة سورة البقرة. وكأن ما جاء قبله بعد ذلك في السورة اقتضاه السياق، ثم عاد السياق مرة ثانية إلى مجرى معين. ولإدراك هذا المعنى نقول:

أ- بدأت سورة البقرة بوصف المتقين والكافرين والمنافقين. وجاء مقطعهما الأول ليعمق الإدراك للطريق: طريق التقوى، وطريق الكفر والنفاق. وسار القسم الأول في السورة في هذا المجرى. ومن خلال ذلك كله عرفنا خصائص التقوى وصفات تفصيلية أكثر للمتقين. ومن ثم تأتي آية البر في نهاية هذا المقطع لتعرف لنا المتقين تعريفا يلخص كل ما قدمه لنا السياق من تفصيلات توضح التعريف الذي مر معنا في أول السورة.

ب- في المقطع الأول من القسم الأول ورد قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... ثم جاء مقطع آدم عليه السلام.

وفيه عرفنا على عداء إبليس ومظاهر خطواته. وعرفنا كيف أن آدم عليه السلام حرم عليه شئ فخالف، فعوقب. ويأتي هذا المقطع وكأنه يبني على ذلك كله:

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً.

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ ....

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ .. إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ....

وأوضح ما يظهر فيه البناء على المقطع الأول من القسم الأول: أن المقطع الأول من القسم الأول بدايته: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... والآية التي سبقت آية التحريم هنا ختمت بقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.

وبعد قصة آدم في القسم الأول يأتي مدخل مقطع بني إسرائيل وفيه:

وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ* أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ وقد جاءت الفقرة الثانية في هذا المقطع وفيها:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ....

<<  <  ج: ص:  >  >>