للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس

٢ - في الضمير في قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ قولان: أحدهما أنه عائد إلى الله، والثاني أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام الآتي. فعلى القول الأول صار المعنى: أن مثل هدى الله الذي هدى به المؤمن في القوة والوضوح وبيان الحجة وفوقها كمثل ما ذكر، فإذا بقي قلب لم يهتد فما ذلك إلا لعماه، أو أن المعنى على هذا القول: مثل هدى الله في قلب المؤمن كمثل مشكاة فيها مصباح، أي هداه في قلب المؤمن في غاية الإنارة والوضوح، وعلى القول الثاني في الضمير: يكون المعنى: مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهر، وما يستهدي به من القرآن والشرع، بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل، الذي لا كدر فيه ولا انحراف، أي شبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه بالمثل المذكور فهو يشبه قوله تعالى أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فالمشكاة جسد المؤمن، والزجاجة قلبه، والمصباح الفطرة، والزيت شريعة الله المتميزة، التي ليست بشرقية ولا غربية، أي ليست بشرية.

ويفهم من هذا أن الفطرة إذا انقطع عنها مدد الشريعة بالإيمان والعمل انطفأت، كما ينطفئ المصباح لو لم يكن له مدد يستمد منه. ويفهم من هذا أن نور الفطرة قوي جدا، ويفهم من هذا أن ما أنزل الله من الهدى في غاية الصفاء، ونصوع الحجة.

المشكاة هي الجسد؛ إذ هو مركز تجمع النور، والزجاجة القلب، والمصباح الإيمان، والزيت العمل بالشريعة، ولا نور إلا بعمل، فمن افتقد النور فعليه بالعمل.

٣ - في شرح قوله تعالى زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ قالوا: إنها في مستوى من الأرض، في مكان فسيح باد، ظاهر، ضاح للشمس، تقرعه من أول النهار إلى آخره، ليكون ذلك أصفى لزيتها وألطف.

وأقوى الأقوال في هذا النص: أن هذا مثل ضربه الله تعالى لشريعته، وهناك اتجاهات أحرى ذكرها ابن كثير، من ذلك ما قاله شمر بن عطية: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال: حدثني عن قول الله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ قال: يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي، كما يكاد ذلك الزيت أن

<<  <  ج: ص:  >  >>