هو عليه، ثم إنك تجد السورة الواحدة- ولو تعددت معانيها- فإن كل معنى فيها يخدم بقية المعاني، ويؤسس لها بشكل لا يمل معه الإنسان، وبشكل يملأ العقل والقلب والشعور وعوالم النفس.
إن هناك معنى إذا وضع بجانب معنى آخر فإنه يكون أولى به، حتى من معنى يشبهه.
وهناك معنى يحتاج إلى عشر مقدمات، ومعنى يحتاج إلى مقدمتين، من أجل أن يعطي ثماره في القلب من أقرب طريق، ومن ثم يكون هذا في مكان، والثاني في مكان آخر، بعد أن يأخذ كل منهما المقدمات الضرورية له.
وفي عملية التكوين الشامل للنفس البشرية تحتاج هذه النفس إلى جرعات متفاوتة بحسب الاحتياج، والنفس البشرية ملول، ومن متعتها تغير المشاهد، وهي تحتاج إلى أن تأخذ بعض المواضيع متداخلة، وأحيانا متسلسلة، وأحيانا تحتاج إلى أن تأخذ المعنى الواحد ضمن إطار، ثم تأخذه ضمن إطار آخر، والتكليف فيه مشقة؛ فإن يجزأ التكليف، وأن يوضع كل جزء منه في الإطار الذي تقبله النفس دون تلكؤ، كل هذه المعاني وغيرها بعض حكم كون المواضيع القرآنية عرضت كما هي في القرآن، وبشكل لا يمكن أن يعلم حدوده وحقوقه إلا الله عزّ وجل؛ فالله عزّ وجل الذي خلق الكون والإنسان- وهو الأعلم بالإنسان- جعل كتابه الهادي لهذا الإنسان، بما يتفق مع خلق هذا الإنسان، وتركيبه العقلي والنفسي والشعوري.
إن الله عزّ وجل هو الأول والآخر، والله عزّ وجل يعلم ما كان وما يكون، وقد خلق الإنسان وهو أعلم به، وخلق السموات والأرض بما يتفق ومصلحة هذا الإنسان هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (البقرة: ٢٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (لقمان: ٢٠) وجعل كل جزء يحتاجه الإنسان بحجم وكيفية، وجعل له محل وجود، وجعل الوصول إليه متدرجا، فكل عصر، وكل إنسان، وكل زمان، وكل مكان، يأخذ احتياجاته، ويكتشف شيئا جديدا، بما يحقق التجديد ويحقق الكفاية وتجد بعض الأشياء مبثوثة في كل مكان، وتجد بعض الأشياء مبثوثة هنا وهناك، وكل ذلك ضمن حكمة لا يحيط بها إلا الله، وضمن وحدة كلية لا يدرك الإنسان من أسرارها إلا القليل.