للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«والواقعة الآتية فيها مثل بارز على أهمية تلك الضوابط فيما يتعلق بوجود الإنسان.

فمنذ سنوات عديدة زرع نوع من الصبار في أستراليا. كسياج وقائي. ولكن هذا الزرع مضى في سبيله حتى غطى مساحة تقرب من مساحة انجلترا، وزاحم أهل المدن والقرى، وأتلف مزارعهم، وحال دون الزراعة. ولم يجد الأهالى وسيلة تصده عن الانتشار؛ وصارت أستراليا في خطر من اكتساحها بجيش من الزرع صامت، يتقدم في سبيله دون عائق!

«وطاف علماء الحشرات بنواحي العالم حتى وجدوا أخيرا حشرة لا تعيش إلا على ذلك الصبار، ولا تتغذى بغيره، وهي سريعة الانتشار، وليس لها عدو يعوقها في أستراليا. وما لبثت هذه الحشرة حتى تغلبت على الصبار. ثم تراجعت، ولم يبق منها سوى بقية قليلة للوقاية، تكفي لصد الصبار عن الانتشار إلى الأبد.

«وهكذا توافرت الضوابط والموازين، وكانت دائما مجدية.

«ولماذا لم تسيطر بعوضة الملاريا على العالم إلى درجة كان أجدادنا يموتون معها، أو يكسبون مناعة منها؟ ومثل ذلك أيضا يمكن أن يقال عن بعوضة الحمى الصفراء

التي تقدمت شمالا في أحد الفصول حتى وصلت إلى نيويورك .. ولماذا لم تتطور ذبابة «تسي تسي» حتى تستطيع أن تعيش أيضا في غير مناطقها الحارة، وتمحو الجنس البشري من الوجود؟ يكفي أن يذكر الإنسان الطاعون والأوبئة والجراثيم، الفاتكة التي لم يكن له وقاء منها حتى الأمس القريب، وأن يذكر كذلك ما كان له من جهل تام بقواعد الوقاية الصحية، ليعلم أن بقاء الجنس البشري، رغم ذلك يدعو حقا إلى الدهشة! ...

«إن الحشرات ليست لها رئتان كما للإنسان؛ ولكنها تتنفس عن طريق أنابيب.

وحين تنمو الحشرات وتكبر، لا تقدر تلك الأنابيب أن تجاريها في نسبة تزايد حجمها.

ومن ثم لم توجد قط حشرة أطول من بضع بوصات، ولم يطل جناح حشرة إلا قليلا.

وبسبب جهاز تكوين الحشرات وطريقة تنفسها لم يكن في الإمكان وجود حشرة ضخمة. وهذا الحد من نمو الحشرات قد كبح جماحها كلها، ومنعها من السيطرة على العالم ولولا وجود هذا الضابط الطبيعي لما أمكن وجود الإنسان على ظهر الأرض.

وتصور إنسانا فطريا يلاقي دبورا يضاهي الأسد في ضخامته، أو في مثل هذا الحجم!

<<  <  ج: ص:  >  >>