٢ - بمناسبة قوله تعالى إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً* وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قال ابن كثير: وروى ابن أبي حاتم .. عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من يقل علي ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار- وفي رواية- فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا» قيل يا رسول الله وهل لها من عينين؟ قال أما سمعتم الله يقول إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ الآية. وروى أيضا عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله- يعني ابن مسعود- ومعنا الربيع بن خيثم فمروا على حداد فقام عبد الله ينظر إلى حديده في النار، ونظر الربيع بن خيثم إليها فتمايل الربيع ليسقط، فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً فصعق- يعني الربيع- وحملوه إلى أهل بيته، فرابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق رضي الله عنه. وروى أيضا عن ابن عباس قال:
«إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف» وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير .. عن ابن عباس قال:«إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ قالت:
إنه يستجير مني فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك فيقول: فما كان ظنك؟ فيقول أن تسعنى رحمتك، فيقول أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. وروى عبد الرزاق .. عن عبيد بن عمير في قوله سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً قال: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه، ترتعد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك اليوم إلا نفسي وقوله إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ قال قتادة: عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح أي من ضيقه. وقال عبد الله ابن وهب .. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن قول الله وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ قال: «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» ...