ومن وفقه الله لمثل ذلك، ولقد رأينا من شيوخنا من يعامل كل مؤمن صغيرا أو كبيرا بمنتهى الأدب، حتى ليستصغر الإنسان أدبه مع أبويه بجانب ذلك الأدب. فرحمهم الله ورزقنا مكارم الأخلاق، وإن من الجماعات الإسلامية المعاصرة من جعلت إكرام المسلم إحدى شعاراتها. وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) أبرزنا ماهية الذلة على المؤمنين كخلق أساسي من أخلاق الإسلام.
٤ - بمناسبة قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال ابن كثير: (أي في جميع أمورك، فإنه مؤيدك وحافظك، وناصرك ومظفرك ومعلي كلمتك، وقوله تعالى الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي هو معتن بك كما قال تعالى اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا قال ابن عباس الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ يعني إلى الصلاة، وقال عكرمة يرى قيامه وركوعه وسجوده، وقال الحسن الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ إذا صليت وحدك، وقال الضحاك الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي من فراشك أو مجلسك. وقال قتادة الَّذِي يَراكَ قائما وجالسا وعلى حالاتك وقوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال قتادة الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجمع. وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن البصري وقال مجاهد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه. ويشهد لهذا ما صح في الحديث «سووا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري». وروى البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيا. وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم كما قال تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ (٦١: يونس).
٥ - بمناسبة قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ قال ابن كثير: (أي يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء كما صح بذلك الحديث، كما رواه البخاري من حديث الزهري أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة رضي الله