وتملؤها الشغالة الأخرى بالرحيق الذي يعودون لتذوقه بعد حين، وربما لا نجد مثل هذه التضحية بالنفس في أي مجتمع آخر.
ويصنع النحل من الشمع دور حضانة لصغاره، أما النمل فكثيرا ما يحمل معه الشرانق التي تحوي صغاره حيثما تنقل، وتسمى هذه الشرانق خطأ بيض النمل، ولكنها في الحقيقة عذارى النمل وليست بيضه.
وتقوم النملة الشغالة بتنظيف جسمها داخل العش كما تفعل القطة الصغيرة، وربما تفعل ذلك عشرين مرة في اليوم الواحد، وأحيانا تتكور النملة وتنام كما يفعل الكلب، وعند ما تستيقظ تتمطى وتفتح فمها كما لو كانت تتثاءب.
وقد يسكن نوعان مختلفان من النمل أنحاء منفصلة في عش واحد، ويحتفظ النمل بحشرات صغيرة كثيرة استأنسها، ولقد وجد نحو ألفي نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن النمل الذي نجح في استئناس العدد الكبير من الحيوانات المختلفة أكثر مما استأنسه الإنسان.
ومع ذلك ليس كل هؤلاء السكان من المرغوب فيهم، فهناك حفار الغيط الصغير الذي يفضل مساكن النمل الآمنة التي شقي في حفرها النمل، وكذلك تغزو بعض الخنافس المتوحشة عشه. بيد أن للنمل أعداء أفظع، فأنواع كثيرة من الطيور تلتهمه، وكذلك «السحالي» والضفادع، ويلتقطه آكل النمل العملاق في جنوب أمريكا بالمئات بواسطة لسانه اللزج، وبعض القبائل من الأهالي تحب أكل النمل، ويعتبر نمل «قوارير العسل» من الحلوى النادرة عند هنود المكسيك، وحتى الأوربيون وجدوا أن طعم النمل المحمر يشبه طعم الجوز المحمص. وأغرب أعداء النمل جميعا حشرة عجيبة تشبه الرعاش، وهي غير ضارة مطلقا في طورها الكامل، ولكن في طورها اليرقي تكون مخلوقا متوحشا يسمى «أسد النمل» ويقل طولها حينئذ عن البوصة، وأرجلها الست ضعيفة لدرجة أنها تمشي بصعوبة، وإلى الخلف فقط، ولها ست عيون، وليس لها فم، ولكن فكوكها المتباعدة المزودة بأشواك حادة تجري داخلها قنوات تمتص بها غذاءها، وتحفر هذه الحشرة حفرة قمعية الشكل في الرمل، وتدفن نفسها في القاع تاركة فكوكها مكشوفة فقط، وعند مجيء نملة إلى حافة الحفرة تسقط وتنزلق على الرمل الناعم. وإذا ما حاولت الفرار تسرع «أسد النمل» وترميها بحباب الرمل، حتى تسقط إلى القاع، وعند ما تصبح في متناول الفكوك تمتص جسمها وتتركه جافا بعد فترة وجيزة، ويسميها