للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - قلنا من قبل إن القسم الأول وطأ للقسم الثاني. وجاءت هذه التوطئة على تسلسل معين، بحيث إن ما يرد في القسم الثاني تتسلسل معانيه بحيث تتوافق مع تسلسل المعاني في القسم الأول. فمعاني المقطع الأول والثاني والثالث من القسم الأول وطأت لمعاني المقطع الأول في هذا القسم. وهكذا. ولو أنك تأملت قضية الصوم في هذا المقطع، وصلتها بتزكية النفس، وورود آية الدعاء في وسط ذلك. ثم لو رأيت مجموعة ما ورد بعد ذلك من معان تصحيحية أو أوامر مربية، أو موجهة، أو معان لها صلة بالمناسك.

وتذكرت قوله تعالى في مقطع إبراهيم: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ.

وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا، لو أنك تأملت هذا كله لرأيت مظهرا جديدا من مظاهر التوطئة التي قدم لها القسم الأول للقسم الثاني.

٤ - جاءت آية الإنفاق في المقطع بين آيات القتال، وآيات الحج. لأن القتال والحج يحتاجان إلى مال وإنفاق. وذلك كله جاء بعد الأمر بإتيان البيوت من أبوابها.

والقتال والحج يحتاجان إلى أن يسلك الإنسان الطريق المؤدي إلى إنجاحهما. وذلك كله جاء بعد النهي عن أكل أموال الناس بالباطل والرشى، لأن من يأكل أموال الناس بالباطل لا يضحي بنفسه، ولا ينفق، ولا يحج إلا على مرض يقل فيه الإخلاص أو ينعدم. وذلك كله مسبوق بالكلام عن الصوم مما يشير إلى أهمية الصوم في تحقيق أمر الله في هذه الأمور كلها. فالحج والقتال يحتاجان إلى صبر، والصوم صبر. وترك أكل أموال الناس بالباطل يحتاج إلى ضبط نفس، والصوم ضبط نفس. والإنفاق يحتاج إلى دوافع. وفي شهر الصوم يكثر الإنفاق ويعتاده الإنسان. ولهذا وغيره من الحكم تقدم الكلام عن الصوم فقرات هذا المقطع.

٥ - ولقد قلنا أكثر من مرة: إن الإسلام أركان وبناء، الأركان هي الشهادتان والصلاة، والزكاة، والصوم والحج. أخذا من الحديث: «إن الإسلام بني على خمس».

وأما البناء فهو أحكام الله في كل شئ. فالإسلام مجموع أحكام الله في العقائد والعبادات ومناهج الحياة وغير ذلك.

وسورة البقرة عرضت حتى نهاية هذا القسم- في جملة ما عرضت- للأركان الخمسة فذكرت الإيمان الذي رمزه العملي الشهادتان، وذكرت الصلاة والزكاة والصوم والحج. وكان ذلك مقدمة للقسم الثالث الذي سيدعو إلى الدخول في الإسلام كله.

وخلال عرضها لقضية الأركان ذكرت أمورا كثيرة مما يشير إلى عدم انفصال الأركان عن

<<  <  ج: ص:  >  >>