للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحقق، وفي قصة الروم نموذج، ومع قوّة هذا الدليل فإن موقف أكثر الخلق من اليوم الآخر الكفر والغفلة. ومن ثمّ أقام الله عزّ وجل الحجة عليهم مرة ثانية، ووعظهم في المجموعة الثانية.

٢ - في المجموعة الأولى من المقدمة ذكر أن أكثر الناس لا يعرفون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا. وفي المجموعة الثانية ذكر مظهرا من مظاهر المعرفة الظاهرة الكثيرة للحياة الدنيا عند الماضين، وكيف أنهم عوقبوا ودمّروا وكان مصيرهم النار، وفي ذلك موعظة وإقامة حجة. وهكذا أقام الله الحجة بعد الحجة على مجئ اليوم الآخر في المقدمة، وها نحن بعد المقدمة أمام ظاهرة تتكرّر: إنّك تجد آيات في السورة مبدوءة باسم الجلالة (الله).

اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [آية: ١١].

ثم تجد الآية (٤٠) تقول: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

ثم تجد الآية (٤٨) تقول: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ....

ثم تجد الآية (٥٤) تقول: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ.

وفي كل مرة تجد آية مبدوءة باسم الجلالة (الله) تجد حجة جديدة في موضوع اليوم الآخر، فكأن السورة بعد المقدمة مؤلفة من مقاطع: علامة المقطع ابتداؤه بكلمة (الله)، وهذا يفيد أن موضوع اليوم الآخر مرتبط بموضوع الإيمان بالله ومعرفته، فهما موضوعان لا ينفصلان كما أثبتنا ذلك في كتابنا (الإسلام) من سلسلة الأصول الثلاثة في فصله الأخير. فإذا اتضح هذا نقول: إن السورة تتألف من مقدمة وأربعة مقاطع.

المقدمة هي ما رأيناه والمقاطع الأربعة كل منها مبدوء بلفظ الجلالة (الله) وموضوعها الرئيسي هو اليوم الآخر. فلنر المقطع الأوّل من السّورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>