خمس لا يعلمهن إلا الله على وجه الإحاطة والشمول، كلّيا وجزئيا فلا ينافيه اطلاع الله تعالى بعض خواصّه على بعض المغيبات، حتى من هذه الخمس، لأنها جزئيات معدودة، وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة. انتهى. ويعلم مما ذكرنا وجه الجمع بين الأخبار الدالة على استئثار الله تعالى بعلم ذلك، وبين ما يدل على خلافه كبعض
إخباراته عليه الصلاة والسلام بالمغيبات التي هي من هذا القبيل، يعلم ذلك من راجع نحو الشفاء، والمواهب اللّدنية، مما ذكر فيه معجزاته صلّى الله عليه وسلم، وإخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات، وذكر القسطلاني أنه عزّ وجل إذا أمر بالغيث وسوقه إلى ما شاء من الأماكن علمته الملائكة الموكلون به، ومن شاء سبحانه من خلقه عزّ وجل، وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص في رحم، يعلم سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا، كما يدل عليه ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
«إن الله تعالى وكّل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه، فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء الله تعالى من خلقه عزّ وجل» وهذا لا ينافي الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات بناء على ما سمعت منا من أن المراد بالعلم الذي استأثر سبحانه به العلم الكامل بأحوال كل على التفصيل، فما يعلم به الملك ويطلع عليه بعض الخواص يجوز أن يكون دون ذلك العلم، بل هو كذلك في الواقع بلا شبهة، وقد يقال فيما يحصل للأولياء من العلم بشيء مما ذكر إنه ليس بعلم يقيني، قال: على القاري في شرح الشفا: الأولياء وإن كان قد ينكشف لهم بعض الأشياء لكن علمهم لا يكون يقينيا، وإلهامهم لا يفيد إلا أمرا ظنيا، ومثل هذا عندي بل هو دونه بمراحل علم النجومي ونحوه بواسطة أمارات عنده بنزول الغيث، وذكورة الحمل، أو أنوثته، أو نحو ذلك، ولا أرى كفر من يدّعي مثل هذا العلم فإنه ظن عن أمر عادي، وقد نقل العسقلاني في فتح الباري عن القرطبي أنه قال: من ادّعى علم شئ من الخمس غير مسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه، وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم، وعليه فقول القسطلاني: من ادعى علم شئ منها فقد كفر بالقرآن العظيم، ينبغي أن يحمل العلم فيه على نحو العلم الذي استأثر الله تعالى به دون مطلق العلم الشامل للظن وما يشبهه).
أقول: كلّ ما أطلع الله عليه عباده بشكل مباشر، أو عن طريق قوانين هذا الكون وأسبابه- إذا كان قطعيا- فإنّه لا يكون ممّا استأثر بعلمه، وإذا كان ظنيا فإن ذلك