لم تنحرف ولم تطمس عليها الأهواء مما يجزم بأن هذا القرآن [غير بشري] على وجه اليقين، وأنه تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.
أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ!.
ولقد قالوها فيما زعموه متعنّتين. ولكن السياق هنا يصوغ هذا القول في صيغة المستنكر لأن يقال هذا القول أصلا: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ؟ .. هذه القولة التي لا ينبغي أن تقال؛ فتاريخ محمد- صلّى الله عليه وسلم- فيهم ينفي هذه الكلمة الظالمة من جهة؛ وطبيعة هذا الكتاب ذاتها تنفيه أصلا، ولا تدع مجالا للريب والتشكك:
بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
الحق .. بما في طبيعته من صدق ومطابقة لما في الفطرة من الحق الأزلي؛ وما في طبيعة الكون كله من هذا الحق الثابت، المستقر في كيانه، الملحوظ في تناسقه، واطراد نظامه، وثبات هذا النظام، وشموله وعدم تصادم أجزائه، أو تناثرها، وتعارف هذه الأجزاء وتلاقيها.
الحق .. بترجمته لنواميس هذا الوجود الكبير ترجمة مستقيمة؛ وكأنما هو الصورة اللّفظية المعنوية لتلك النواميس الطبيعية الواقعية العاملة في هذا الوجود.
الحق .. بما يحققه من اتصال بين البشر الذين يرتضون منهجه وهذا الكون الذي يعيشون فيه ونواميسه الكلّية، وما يعقده بينهم وبين قوى الكون من سلام وتعاون وتفاهم وتلاق. حيث يجدون أنفسهم في صداقة مع كل ما حولهم من هذا الكون الكبير.
الحق .. الذي تستجيب له الفطرة حين يلمسها إيقاعه، في يسر وسهولة، وفي غير مشقة ولا عنت. لأنه يلتقي بما فيها من حق أزلي قديم.
الحق .. الذي لا يتفرّق ولا يتعارض وهو يرسم منهاج الحياة البشرية كاملا؛ ويلحظ في هذا المنهاج كل قواها وكل طاقاتها، وكل نزعاتها وكل حاجاتها، وكل ما يعتورها من مرض أو ضعف أو نقص أو آفة، تدرك النفوس وتفسد القلوب.
الحق .. الذي لا يظلم أحدا في دنيا أو آخرة. ولا يظلم قوة في نفس ولا طاقة.
ولا يظلم فكرة في القلب أو حركة في الحياة، فيكفها عن الوجود والنشاط، ما دامت