وبهذا نعرف كيف أن سورة السجدة فصّلت في مقدمة سورة البقرة كلها، وبهذا نعرف كذلك أن هذه الزمرة المؤلفة من السور الأربع قد فصّلت في مقدمة سورة البقرة كلها، كل منها قد فصّلت وكمّلت غيرها؛ بحيث اتضح كثير من مضامين هذه المقدمة.
...
وكما جاء بعد مقدمة سورة البقرة قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: ٢١) لتدل على طريق التحقق بالمعاني التي تضمنتها المقدمة، فإنّه بعد السور الأربع تأتي سورة الأحزاب مبدوءة بقوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً لتدل على الطريق العملي للتحقق، لاحظ أن في الآية الأولى من سورة الأحزاب قوله تعالى:
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ والكفر والنفاق هما أحد المواضيع الثلاثة التي تحدثت عنها مقدمة سورة البقرة، وتحدثت عنها السور الأربع، إلا أنّ النّفاق لم يتحدث عنه إلا في سورة العنكبوت؛ لأنّ النّفاق هو الكفر القلبي، مع التظاهر بغيره، فمرجعه إلى الكفر. وقد آن الأوان لنسجّل ملاحظة:
رأينا أن سورة البقرة سارت ضمن سياق محدّد:
تحدّثت عن المتقين والكافرين والمنافقين.
دعت الناس جميعا لسلوك الطريق المؤدي إلى التقوى.
بيّنت الأخلاق التي تحول دون التقوى.
أنكرت على من يكفر، ذكرت ظاهرة العناية. وهكذا ... وكل موضوع من مواضيعها مرتبط بما قبله وما بعده.
ثم جاء بعد سورة البقرة تتمّة القسم الأول من أقسام القرآن- وهو قسم الطوال- ففصّل على نفس النسق.