وإن مقطعا من مقاطعها يفصّل في مقام تفصيل سورة النساء، ومقطعا يفصّل في مقام تفصيل سورة المائدة. ورأينا صلة المقطع الأول بتفصيل سورة النساء، ونلاحظ أن المقطع الثاني بدأ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. ثم يسير المقطع في تفصيل هذا الموضوع، والآية الأولى في هذا المقطع تذكّرنا بقوله تعالى في سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (الآية: ١١).
٢ - لاحظنا أن سورة المائدة فصّلت في قوله تعالى من سورة البقرة:
ومن ثمّ فقد بدأت بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة: ١) ونلاحظ أنه قبل هذا المقطع الذي يفصّل في سورة المائدة جاء قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ... مما يذكّرنا كذلك بموضوع سورة المائدة فهذه الآية جسر اتصال بين المقطع الأول والمقطع الثاني، وجسر اتصال بين محور سورة النساء ومحور سورة المائدة.
٣ - في سورة المائدة نقرأ قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... (المائدة: ١١) ويصعب على القارئ العادي أن يعرف صلة هذه الآية بموضوع نقض العهد، والوفاء الذي هو محور سورة المائدة، ولكنّه عند ما يقرأ المقطع الثاني في سورة الأحزاب ويرى أن هذا المقطع يحدّثنا عن الوفاء بالعقود في سياق حادثة الأحزاب: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ... فعندئذ يدرك الصلة بشكل أوضح بين موضوع العقود وموضوع تذكر نعمة الله، إذ همّ قوم أن يبسطوا أيديهم فكفّ الأيدي عنهم.
٤ - إن ما ذكرناه من وجود سمت سورتي النساء والمائدة على التناوب في سورة