الحقيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع خرجوا إلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش، وألّبوا على حرب النبي صلّى الله عليه وسلم، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا، وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة، مما يلي الشرق، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا، ونقل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم التراب وحفر، وكان في حفره ذلك آيات ودلائل واضحات، وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة، قريبا من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة، كما قال تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، وهم نحو من ثلاثة آلاف- وقيل سبعمائة- فأسندوا ظهورهم إلى سلع، ووجوههم إلى نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إليهم، وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة- وهم طائفة من اليهود- لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالئوا الأحزاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعظم الخطب، واشتد الأمر، وضاق الحال، كما قال الله تبارك وتعالى: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً ومكثوا محاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه قريبا من شهر، إلا أنهم لا يصلون إليهم، ولم يقع بينهم قتال، إلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري- وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية- ركب ومعه فوارس فاقتحموا الخندق، وخلصوا إلى ناحية المسلمين، فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيل المسلمين إليه، فيقال إنه لم يبرز إليه أحد، فأمر عليا رضي الله عنه فخرج إليه، فتجاولا ساعة، فقتله علي رضي الله عنه، فكان علامة على النصر. ثم أرسل الله عزّ وجل على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب، قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شئ، ولا توقد لهم نار، ولا يقر لهم قرار، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين، كما قال الله عزّ وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً قال مجاهد وهي الصبا، ويؤيده الحديث الآخر «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» وقال ابن جرير: عن عكرمة قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول