فلا يبرحنها إطلاقا. إنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر. وما عداه استثناء طارئ لا يثقلن فيه ولا يستقررن. إنما الحاجة تقضى.
وبقدرها.
والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى. غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة. «ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه ويهيئ للفراخ الناشئة فيه رعايتها، أوجب على الرجل النفقة، وجعلها فريضة، كي يتاح للأم من الجهد، ومن الوقت، ومن هدوء البال، ما تشرف به على هذه الفراخ الزغب، وما تهيأ به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها. فالأم المكدودة بالعمل للكسب، المرهقة بمقتضيات العمل، المقيدة بمواعيده، المستغرقة الطاقة فيه .. لا يمكن أن تهب للبيت جوه وعطره، ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها. وبيوت الموظفات والعاملات ما تزيد على جو الفنادق والخانات؛ وما يشيع فيها ذلك الأرج الذي يشيع في البيت. فحقيقة البيت لا توجد إلا أن تخلقها امرأة، وأرج البيت لا يفوح إلا أن تطلقه زوجة، وحنان البيت لا يشيع إلا أن تتولاه أم. والمرأة أو الزوجة أو الأم التي تقضي وقتها وجهدها وطاقتها الروحية في العمل لن تطلق في جو البيت إلا الإرهاق والكلال والملال.
وإن خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة. أما أن يتطوّع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرور والضلال.
فأما خروج المرأة لغير العمل. خروجها للاختلاط ومزاولة الملاهي. والتسكّع في النوادي والمجتمعات ... فذلك هو الارتكاس في الحمأة الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان!
ولقد كان النساء على عهد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- يخرجن للصلاة غير ممنوعات شرعا من هذا. ولكنه كان زمان فيه عفة، وفيه تقوى. وكانت المرأة تخرج إلى الصلاة متلفعة لا يعرفها أحد، ولا يبرز من مفاتنها شئ. ومع هذا فقد كرهت عائشة لهن أن يخرجن بعد وفاة رسول الله- صلّى الله عليه وسلم!
في الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: «كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن