للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلّفوا فيه، ثم قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولها كتاب الله تعالى، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به- فحث على كتاب الله عزّ وجل ورغّب فيه- ثم قال:

وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» ثلاثا. فقال له حصين:

ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس رضي الله عنهم، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة بعده؟ قال: نعم. ثم رواه عن محمد بن الريان عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم رضي الله عنه فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه: فقلت له: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. هكذا وقع في هذه الرواية، والأولى أولى، والأخذ بها أحرى. وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة، أو أنّه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله، وهذا الاحتمال أرجح جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة- إن صحت-؛ فإن في بعض أسانيدها نظرا والله أعلم، ثم الذي لا شك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلّى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة. قاله قتادة وغير واحد: واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه، قال بعض العلماء: لأنه لم يتزوج بكرا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه صلّى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه المرتبة العلية، وإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>