للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بواجدها عند أحد، ولا في أي كنف، ولا بأي سبب فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.

إن الناس الذين كانت قريش تبتغي العزة عندهم بعقيدتها الوثنية المهلهلة؛ وتخشى اتباع الهدى- وهي تعترف أنه الهدى- خشية أن تصاب مكانتها بينهم بأذى. إن الناس هؤلاء. القبائل والعشائر وما إليها. إن هؤلاء ليسوا مصدرا للعزة، ولا يملكون أن يعطوها أو يمنعوها فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً .. وإذا كانت لهم قوة فمصدرها الأول هو الله. وإذا كانت لهم منعة فواهبها هو الله. وإذن فمن كان يريد العزة والمنعة فليذهب إلى المصدر الأول، لا إلى الآخذ المستمد من هذا المصدر. ليأخذ من الأصل الذي يملك وحده كل العزة، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم. وهم مثله طلاب محاويج ضعاف!

إنها حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية. وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعديل النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأسباب! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزا كريما ثابتا في وقفته غير مزعزع، عارفا طريقه إلى العزة، وطريقه الذي ليس هنالك سواه!

إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر. ولا لعاصفة طاغية. ولا لحدث جلل.

ولا لوضع ولا لحكم. ولا لدولة ولا لمصلحة، ولا لقوة من قوى الأرض جميعا.

وعلام؟ والعزة لله جميعا. وليس لأحد منها شئ إلا برضاه؟

ومن هنا يذكر الكلم الطيب والعمل الصالح:

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة مغزاه وإيحاؤه. فهو إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله. القول الطيب والعمل الصالح. القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه؛ والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع. ومن ثمّ يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء.

والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس.

حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله. حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي. يستعلي بها على شهواته المذلة، ورغائبه القاهرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>