يقال: إن هذه الآية تنطبق على حالة مضت وانقضت. وهي حالة كون مكة دار حرب في أول الإسلام. أما الآن، فالإجماع قد تقرر بأن عدوا لو استولى على مكة وقال لأقاتلنكم وأمنعكم من الحج، ولا أبرح من مكة. فقد وجب قتاله، وإن لم يبدأ بالقتال.
٦ - عند قوله تعالى: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ: قال الألوسي: (واستدل الشافعي بالآية على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من محدد، أو خنق، أو حرق، أو تجويع، أو تغريق، حتى لو ألقاه في ماء عذب، لم يلق في ماء ملح. واستدل بها أيضا على أن من غصب شيئا يلزمه رد مثله. ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة، كما في ذوات الأمثال. وقد يكون من طريق المعنى، كالقيمة فيما لا مثل له).
وبمناسبة هذه الآية ذكر القرطبي مسألة ما إذا كان لإنسان حق عند آخر والآخر يجحده. فهل يحق لصاحب الحق إذا وقع بيده مال للآخر، سواء كان من جنس ماله، أو من غير جنسه، أن يأخذ صاحب الحق حقه دون علم الآخر، حتى ولو كان المال أمانة عنده؟. ذكر القرطبي الأقوال في ذلك وذكر من جملة من جوز الأخذ، الشافعي. أقول: والفتوى عند الحنفية على ذلك.
٧ - عند قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. قال القرطبي:
(وقال محمد بن الحسن: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة، أو نكاية في العدو. فإن لم يكن كذلك فهو مكروه. لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه، فلا يبعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه، وإن كان قصده إرهاب العدو وليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه، وإذا كان فيه نفع للمسلمين، فتلفت نفسه لإعزاز دين الله، وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية (سورة التوبة). إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه. وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل، كان في أعلى درجات الشهداء. قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَ