كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس. وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها. وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا هدي أهل الشرك».
هذا لفظ ابن مردويه.
وفي صحيح مسلم عن جابر في وصف حجته صلى الله عليه وسلم:«فلم يزل واقفا- يعني بعرفة- حتى غربت الشمس. وبدت الصفرة قليلا حتى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرخى للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس: السكينة، السكينة» كلما
أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد. حتى أتى مزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبح بينهما شيئا (أي لم يتنفل). ثم اضطجع حتى طلع الفجر. فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة. فدعا الله، وكبره، وهلله، ووحده. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا. فدفع قبل أن تطلع الشمس».
هذان الحديثان يفسران لنا النص الذي بين أيدينا. الدفع من عرفات، وذكر الله عند المشعر الحرام على الكمال والتمام.
وبمناسبة الكلام عن الحج نحب أن نتحدث عن ضرورة الفقه، فنحن نلاحظ في هذه السورة حديثا عن الحج. ولكن ليس حديثا عن كل ما له علاقة به. بل هناك حديث عنه في (سورة آل عمران) وحديث عما له علاقة به في (سورة المائدة)، وكلام في (سورة براءة)، وكلام في (سورة الحج)،. فالكلام عن الحج متفرق في القرآن. ومنه ما له علاقة في الأحكام، ومنه ما له علاقة بنواح أخرى من العظة والتذكير. والكلام في كتب السنة عن الحج متفرق فيها. وهو يشمل الأحكام وغيرها. وفي كتب السنة لا تذكر الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع مع شرحها.
فاقتضى ذلك وجود الكتب التي تتحدث عن الأحكام المتعلقة بالحج، المأخوذة من الكتاب، ومن السنة عامة جامعة الشئ إلى نظيره، ضمن تبويب، وتأليف. وهذا هو الفقه. وهذا هو سبب وجوده، وسبب وجود كتبه. وسيختلف حتما الفقهاء في الفهم لكتاب الله، أو لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لأنه توجد نصوص يختلف الناس في بعض تفسيراتها، أو في بعض تطبيقاتها. ويختلفون في بعض طرق الاعتماد للسنة؛ لأسباب