أرى سرورك ببنيان بيتي فسلني أعطك، قال: أسالك ثلاث خصال: حكما يصادف حكمك، وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم- أما الثنتان فقد أعطيهما، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة». وروى الإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا إلا استفتحه «سبحان الله ربي العلي الأعلى الوهاب» وقد قال أبو عبيد عن صالح بن مسمار قال لما مات نبي الله داود عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إلى ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام أن سلني حاجتك، قال:
أسألك أن تجعل لي قلبا يخشاك كما كان قلب أبي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي، فقال الله عزّ وجل: أرسلت إلى عبدي وسألته حاجته فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني، وأن أجعل قلبه يحبني، لأهبن له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. قال الله جلت عظمته فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ والتي بعدها، قال: فأعطاه ما أعطاه وفي الآخرة لا حساب عليه. هكذا أورده أبو القاسم بن عساكر في ترجمة سليمان عليه الصلاة والسلام في تاريخه. وروي عن بعض السلف أنه قال بلغني عن داود عليه الصلاة والسلام أنه قال: إلهي كن لسليمان كما كنت لي، فأوحى الله عزّ وجل إليه: أن قل لسليمان أن يكون لي كما كنت لي، أكن له كما كنت لك.
وقوله تبارك وتعالى فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ قال الحسن البصري رحمه الله: لما عقر سليمان عليه الصلاة والسلام الخيل غضبا لله عزّ وجل، عوّضه الله تعالى ما هو خير منها وأسرع، الريح التي غدوّها شهر ورواحها شهر. وقوله جل وعلا حَيْثُ أَصابَ أي حيث أراد من البلاد وقوله جل جلاله وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ أي منهم ما هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها
البشر، وطائفة غوّاصون في البحار يستخرجون ما فيها من اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ أي موثوقون في الأغلال والأكبال ممن قد تمرّد وعصى، وامتنع من العمل وأبى، أو قد أساء في صنيعه واعتدى. وقوله عزّ وجل هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ أي هذا الذي أعطيناك من الملك التام، والسلطان الكامل كما سألتنا فأعط من شئت، واحرم من شئت، لا حساب عليك، أي مهما فعلت فهو جائز لك، احكم بما شئت فهو صواب، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم لما خيّر