ونلاحظ بشكل واضح أن سورة غافر تفصّل في الكلام عن الكافرين، بدليل أنه بعد مقدمة السورة مباشرة يأتي قوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ.
وبناء على ما مرّ نقول: إنّ سورتي الزمر والمؤمن تفصّلان في مقدمة سورة البقرة، ثم تأتي سورة فصّلت لتفصل في حيز الآيات الآتية مباشرة بعد مقدمة سورة البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... وسنرى تفصيل ذلك كله.
وإذن فأنت تلاحظ أن آيات سورة البقرة الأولى تفصّل في قسم المثاني مرات، وفي كل مرة تجد روحا جديدة، وأسلوبا جديدا، وسياقا جديدا، وعرضا جديدا،
ووحدة في كل سورة، ووحدة في كل مجموعة، إن هذا لمظهر من مظاهر الإعجاز في القرآن، أن تجد المعنى الواحد يعرض بالأساليب الكثيرة وفي السور الكثيرة، وفي كل مرة تجد جديدا وتجد تفريعات وتفصيلات لمعان مستكنة.
ولعلّه يتضح لك في عرضنا لمجموعات هذا القسم لم سمّي هذا القسم بالمثاني؟ إذ تجد المعاني تثنى وتكرّر مرّة بعد مرّة، ويلاحظ أيضا أن سورة الزمر يرد فيها قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.