للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخ كبير يدعم على عصا له فقال: يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ قال صلّى الله عليه وسلم: «ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: بلى وأشهد أنك رسول الله، فقال صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم «قد غفر لك غدراتك وفجراتك» تفرد به أحمد. وروى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وسمعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ولا يبالي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. ورواه أبو داود والترمذي من حديث ثابت، فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، لا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ (التوبة: ١٠٤) وقال عزّ وجل وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء: ١١٠) وقال جل وعلا في حق المنافقين: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا (النساء: ١٤٥، ١٤٦) وقال جل جلاله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (المائدة: ٧٣) ثم قال جلت عظمته: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا (البروج: ١٠) قال الحسن البصري رحمة الله عليه: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، والآيات في هذا كثيرة جدا. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم ندم، وسأل عابدا من عباد بني اسرائيل هل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله وأكمل به مائة، ثم سأل عالما من علمائهم هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد الله فيها فقصدها، فأتاه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأمر الله عزّ وجل أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة، وذكر أنه نأى بصدره عند الموت، وأن الله تبارك وتعالى أمر البلدة الخيّرة أن تقترب، وأمر تلك البلدة أن تتباعد، هذا معنى الحديث وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في

<<  <  ج: ص:  >  >>