للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة أن تقع فيما وقعت فيه أمم أخرى؛ فقد نبهت على ذلك؛ وإذ كانت هناك أمم ستسعى لإضلال هذه الأمة؛ فقد نبهت هذه الأمة على نماذج من وسائل هؤلاء وأقاويلهم وكل ذلك يأتي سابقا للقسم الثالث الذي يبدأ بالدعوة إلى الدخول في الإسلام كله، وذلك بعد أن ذكرت كل المقدمات اللازمة لهذه الدعوة وقبول تفصيلاتها.

لقد بدأت السورة في تصنيف الناس إلى متقين، وكافرين، ومنافقين، ثم دعت الناس جميعا للسير في طريق العبادة لله ليكونوا من المتقين وسار السياق موضحا، وقاصا، وواعظا، ولافتا النظر، ومناقشا للآخرين، ومؤكدا معاني، وذاكرا نماذج، وداعيا إلى تفصيلات حتى استقر السياق على آية البر التي حددت المواصفات الرئيسية للمتقين، من إيمان، لصلاة، لزكاة، لإنفاق، لصبر، لوفاء عهد.

ثم نادى السياق المؤمنين مرتين: مرة في شأن القصاص، ومرة في شأن الصيام.

وبين أن القصاص طريق للتقوى. وأن الصيام طريق للتقوى، وذكرت الوصية بين النداءين، ثم ذكر الصيام والحج. وهما الركنان الرابع والخامس في الإسلام. وبدونهما لا يكون الإنسان تقيا، ومعهما تتأكد التقوى. وما بين الكلام عن الصيام والحج ذكرت قضايا تصحح مفاهيم عن التقوى. فذكر القتال، والإنفاق في سبيل الله.

وذكر غير ذلك. والصلة بين القتال والإنفاق، وبين الصوم والحج واضحة. فالصوم صبر. قال صلى الله عليه وسلم: «الصوم نصف الصبر». والقتال يحتاج إلى صبر. والحج بذل جهد ومال. وإنفاق المال في الجهاد من هذا النوع.

ثم بعد الحج ذكر السياق صنفين من الناس ليعلم أن التقي هو من باع نفسه كلها لله، وأن المنافق شأنه غير ذلك.

فالسياق تدرج في تربيتنا حتى نصل إلى مقام بيع النفس في سبيل الله. وقبل ذلك حذرنا أن نكون من نوع آخر، ظاهره مسلم، وباطنه منافق خبيث حتى إذا وصلنا إلى مقام بيع النفس لله فصفت النفس خالصة لله، يبدأ قسم جديد بأمر جديد، بخطاب جديد:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي: في الإسلام كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>