بموضوع الملك، فالمالك الحق يأمر وينهى ويوجّه ويبيّن، فكيف إذا كانت مصلحة خلقه ومصلحة ملكه في ذلك، والله عزّ وجل منزّه أن يكون له مصلحة أو غرض أو منفعة في خلقه أو في أمره.
ونلاحظ أن المقطع الأول في السورة بدئ بقوله تعالى: حم عسق* كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وأن المقطعين الآخرين بدئا بقوله تعالى: وَكَذلِكَ* مما يشير إلى أن بدايتي المقطعين الآخرين معطوفتان على بداية المقطع الأول، وذلك مظهر من مظاهر وحدة السورة.
وفي هذه الكلمة الأخيرة عن السورة نحبّ أن نذكّر ببعض معانيها:
١ - إن من حكم إنزال القرآن الكبرى الإنذار بيوم القيامة وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ومن ثم فعلينا أن نلاحظ هذا المعنى في التعليم والوعظ والتربية؛ لأن القرآن ذكره وكأنه الحكمة الوحيدة. أقول هذا لأن الإنذار باليوم الآخر يكاد يكون معدوما في تعليم العلماء وخطب الخطباء، على حساب مواضيع أخرى لا ننكر أهميتها، ولكن يجب أن نعطي كل قضية حجمها.
٢ - إن إقامة الإسلام وعدم التفرق فيه هو القاسم المشترك بين رسالات الله عزّ وجل، ومن ثم فهو أهم شئ في هذا الدين، فإقامة الإسلام والتجمع عليه ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل، والتعاون على تحقيق معنى إسلامي واجب وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ.
٣ - إنّه لا حقّ ولا عدل ولا حياة إلا بهذا الإسلام. فالإسلام وكتابه القرآن هو الصيغة الوحيدة للحق وللعدل، وبه وحده تكون حياة الإنسان الحقيقية.
٤ - إنّ الإيمان والكتاب هما اللذان عليهما مدار السير، وحول ذلك وفي ذلك ينبغي أن تبذل الجهود.
٥ - الخصائص المذكورة في السورة للجماعة المسلمة يجب أن نعطيها صيغتها العملية في حياتنا، لأنه لا جماعة للمسلمين بدونها، ولا إقامة للإسلام بدونها. هذه معان في السورة علينا أن ننتبه إليها انتباها كبيرا لتأثير ذلك على الفهم العام للمسلم، وعلى سلوكه وعلى تصوراته.