للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان: ١٤) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

وقال عزّ وجل هاهنا وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً أمرنا بالإحسان إليهما، والحنو عليهما، وروى أبو داود الطيالسي عن سعد رضي الله عنه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله تعالى، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الآية وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناد نحوه وأطول منه).

وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ..

(فهي وصية لجنس الإنسان كله، قائمة على أساس إنسانيته، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنسانا. وهي وصية بالإحسان مطلقة من كل شرط ومن كل قيد، فصفة الوالدية تقتضي هذا الإحسان بدون حاجة إلى أي صفة أخرى كذلك. وهي وصية صادرة من خالق الإنسان، وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضا. فما يعرف في عالم الطير أو الحيوان أو الحشرات وما إليها أن صغارها مكلفة برعاية كبارها. والمشاهد الملحوظ هو فقط تكليف فطرة هذه الخلائق أن ترعى كبارها صغارها في بعض الأجناس. فهي وصية ربما كانت خاصة بجنس الإنسان. وتتكرر في القرآن الكريم وفي حديث الرسول- صلّى الله عليه وسلم- الوصية بالإحسان إلى الوالدين. ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادرة، ولمناسبة حالات معينة. ذلك أن الفطرة وحدها تتكفل برعاية الوالدين للأولاد، رعاية تلقائية مندفعة بذاتها لا تحتاج إلى مثير. وبالتضحية النبيلة الكاملة العجيبة التي كثيرا ما تصل إلى حد الموت- فضلا على الألم- بدون تردد.

ودون انتظار عوض، ودون منّ ولا رغبة حتى في الشكران! أما الجيل الناشئ فقلما يتلفت إلى الخلف .. قلما يتلفت إلى الجيل المضحي الواهب الفاني. لأنه بدوره مندفع إلى الأمام، يطلب جيلا ناشئا منه يضحي له بدوره ويرعاه! وهكذا تمضي الحياة!.

والإسلام يجعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بنائه، والمحضن الذي تدرج فيه الفراخ الخضر وتكبر؛ وتتلقى رصيدها من الحب والتعاون والتكافل والبناء. والطفل الذي يحرم من الأسرة ينشأ شاذا غير طبيعي في كثير من جوانب حياته- مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة- وأول ما يفقده في أي محضن آخر غير محضن الأسرة، هو شعور الحب. فقد ثبت أن الطفل بفطرته يحب أن يستأثر وحده بأمه فترة العامين الأولين من حياته. ولا يطيق أن يشاركه فيها أحد. وفي المحاضن

<<  <  ج: ص:  >  >>