قال: كان الجن يستمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوا حقا وما زادوا باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبثّ جنوده فإذا بالنبي صلّى الله عليه وسلم بين جبلي نخلة، فأتوه، فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض، ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما، وقال الترمذي حسن صحيح، وهكذا رواه أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا بمثل هذا السياق بطوله وهكذا قال الحسن البصرى: إنه صلّى الله عليه وسلم ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظى قصة خروج النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعائه إياهم إلى الله عزّ وجل، وإبائهم عليه، فذكر القصة بطولها وأورد ذلك الدعاء الحسن:«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى عدو بعيد يتجهمني، أم إلى صديق قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» قال فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين، وهذا صحيح ولكن قوله إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، وخروجه صلّى الله عليه وسلم إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره والله أعلم. قال أبو بكر بن أبي شيبة: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: هبطوا على النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا قال: صه وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله عزّ وجل وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ إلى ضَلالٍ مُبِينٍ فهذا مع الأول من رواية ابن عباس رضي الله عنهما يقتضي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته، ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالا، قوما بعد قوم، وفوجا بعد فوج، كما ستأتي بذلك الأخبار في موضعها والآثار، مما سنوردها هاهنا إن شاء الله تعالى وبه الثقة فأما ما رواه البخاري ومسلم
جميعا عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: سألت