الوقت كان في آخر الأمر لما فتحت مكة ودخل الناس والجان أيضا في دين الله أفواجا نزلت سورة النصر إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً وهي السورة التي نعيت نفسه الكريمة فيها إليه، كما نص على ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، ووافقه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عليه، وقد ورد في ذلك حديث سنورده إن شاء الله تعالى عند تفسيرها والله أعلم، وقد رواه أبو نعيم أيضا عن الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه فذكره وذكر فيه قصة الاستخلاف وهذا إسناد غريب وسياق عجيب (طريق أخرى) روى الإمام أحمد: عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطّ حوله فكان أحدهم مثل سواد النحل وقال: «لا تبرح مكانك فأقرأهم كتاب الله» فلما رأى المرعى قال: كأنهم هؤلاء، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم:«أمعك ماء؟» قلت: لا، قال:«أمعك نبيذ؟» قلت: نعم، فتوضأ به (طريق أخرى مرسلة) روى ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالى وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ قال: هم اثنا عشر ألفا جاءوا من جزيرة الموصل فقال صلّى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه: «أنظرني حتى آتيك» وخطّ عليه خطّا وقال «لا تبرح حتى آتيك» فلما خشيهم ابن مسعود رضي الله عنه كاد أن يذهب فذكر قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يبرح، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم:«لو ذهبت ما التقينا إلى يوم القيامة». (طريق أخرى مرسلة أيضا) قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ قال: ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى وأن نبي الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني؟» فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فقال رجل: يا رسول الله إن ذلك لذو ندبة فأتبعه ابن مسعود رضي الله عنه أخو هذيل، قال: فدخل النبي صلّى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخطّ عليه وخطّ على ابن مسعود رضي الله عنه خطّا ليثبته بذلك، قال: فجعلت أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلّى الله عليه وسلم، ثم تلا القرآن فلما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله ما اللغط الذي سمعت؟ قال صلّى الله عليه وسلم:«اختصموا في قتيل فقضي بينهم بالحق» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، فهذه الطرق كلها تدل على أنه صلّى الله عليه وسلم ذهب إلى الجن قصدا فتلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله عزّ وجل، وشرع الله تعالى لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت. وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما. ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود رضي الله