على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشئ قط إني لأظنه هكذا إلا كان كما يظن، بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليّ بالرجل، فدعي له فقال له ذلك فقال ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال:
كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السوق جاءتنى أعرف فيها الفزع فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر رضي الله عنه: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي. هذا سياق البخاري، وقد رواه البيهقي، ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر رضي الله عنه بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح، وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضي الله عنه، وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه والله أعلم، وهذا الذي قاله البيهقي هو المتجه، وهذا الرجل هو سواد بن قارب، وقد ذكرت هذا مستقصى في سيرة عمر رضي الله عنه، فمن أراده فليأخذه من ثم، ولله الحمد والمنة. وقال البيهقي: حديث سواد بن قارب ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح، عن البراء رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فلم يجبه أحد تلك السنة، فلما كانت السنة المقبلة قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ قال فقلت: يا أمير المؤمنين وما سواد بن قارب؟ قال: فقال له عمر رضي الله عنه: إن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا عجيبا، فبينما نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب. قال: فقال له عمر رضي الله عنه يا سواد حدثنا ببدء إسلامك كيف كان؟ قال سواد رضي الله عنه: فإني كنت نازلا بالهند وكان لي رئي من الجن، قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءنى في منامي ذلك قال: قم، فافهم، واعقل، إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ