قال: فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال لي: «أفلحت يا سواد»، فقال له عمر رضي الله عنه: هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب الله عزّ وجل من الجن. ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين. ومما يدل على وفادتهم إليه صلّى الله عليه وسلم بعد ما هاجر إلى المدينة الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب (دلائل النبوة) عن عمرو بن غيلان الثقفي قال: أتيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقلت له: حدّثت أنك كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن. قال: أجل، قلت: حدثني كيف كان شأنه! فقال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجل يعشيه وتركت فلم يأخذني أحد منهم، فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:«من هذا؟» فقلت:
أنا ابن مسعود، فقال صلّى الله عليه وسلم:«ما أخذك أحد يعشيك؟» فقلت: لا، قال صلّى الله عليه وسلم:
«فانطلق لعلي أجد لك شيئا» قال: فانطلقنا حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجرة أم سلمة رضي الله عنها فتركني قائما ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية فقالت: يا ابن مسعود إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يجد لك عشاء فارجع إلى مضجعك. فرجعت إلى المسجد فجمعت حصباء المسجد فتوسدته والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية فقالت: أجب رسول الله فأتبعتها وأنا أرجو العشاء، حتى إذا بلغت مقامي خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي يده عسيب من نخل فعرض به على صدري فقال صلّى الله عليه وسلم:«أتنطلق أنت معي حيث انطلقت؟» قلت: ما شاء الله، فأعادها علي ثلاث مرات كل ذلك أقول: ما شاء الله، فانطلق وانطلقت معه حتى أتينا بقيع الغرقد، فخطّ صلّى الله عليه وسلم بعصاه خطّا ثم قال:«اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق يمشي وأنا انظر إليه خلال النخل، حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت قبله العجاجة السوداء، ففرقت فقلت ألحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإني أظنّ أنّ هوازن مكروا برسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقتلوه، فأسعى إلى البيوت فأستغيث الناس، فذكرت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوصاني أن لا أبرح مكاني الذي أنا فيه، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرعهم بعصاه ويقول «اجلسوا» فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا فأتاني، رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:«أنمت بعدي؟» فقلت: لا ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى رأيت أن آتي البيوت فأستغيث الناس، حتى سمعتك تقرعهم بعصاك وكنت أظنها هوازن مكروا برسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقتلوه، فقال:
«لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما أمنت عليك أن يختطفك بعضهم، فهل رأيت من شئ منهم؟» فقلت: رأيت رجالا سودا مستثفرين بثياب بيض؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أولئك وفد جنّ نصيبين أتوني فسألوني الزاد والمتاع فمتعتهم بكل عظم حائل،