للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه، ثم قال: يا محمد، قد لجت (١) القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: «صدقت» فجعل ينتره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد الناس إلى ما بهم. فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله. وإنا لا نغدر بهم». قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه، ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب.

قال:

ويدني قائم السيف منه. قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه.

قال: فضنّ الرجل بأبيه، ونفذت القضية (٢) فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة، ومكرز بن حفص (وهو يومئذ مشرك) وعلي بن أبي طالب، وكتب، وكان هو كاتب الصحيفة. قال الزهري: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال- صلّى الله عليه وسلم- ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل- صلّى الله عليه وسلم- على أم سلمة- رضي الله عنها- فذكر لها ما لقى من الناس. قالت (أم سلمة) - رضي الله عنها-: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعوا حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس. قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون. فقال: رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: «يرحم الله المحلّقين». قالوا:

والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلّقين». قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلّقين». قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:


(١) لجت القضية: انعقدت وانتهى أمرها.
(٢) روي عن أبي جندل أن الذي منعه حرصه على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا الضن بأبيه!.

<<  <  ج: ص:  >  >>