للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون» قال المسلمون: صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما ذكرت ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا).

وقال صاحب الظلال مبينا بعض مظاهر الفتح في صلح الحديبية: (فتكون بيعة الرضوان التي فاض منها الخير على الذين فازوا بها وسعدوا وكان هذا هو الفتح؛ إلى جانب الفتح الآخر الذي تمثل في صلح الحديبية، وما أعقبه من فتوح شتى في صور متعددة كان فتحا في الدعوة. يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه. إنما كان القتال حيث التقى الناس. فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا، والتقوا؛ فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه. ولقد دخل في تينك السنتين (بين صلح الحديبية وفتح مكة) مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- خرج إلى الحديبية- في ألف وأربع مائة في قول جابر بن عبد الله- ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف. وكان ممن أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وكان فتحا في الأرض. فقد أمن المسلمون شر قريش، فاتجه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- إلى تخليص الجزيرة من بقايا الخطر اليهودي- بعد التخلص من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة- وكان هذا الخطر يتمثل في حصون خيبر القوية التي تهدد طريق الشام. وقد فتحها الله على المسلمين، وغنموا منها غنائم ضخمة، جعلها رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فيمن حضر الحديبية دون سواهم. وكان فتحا في الموقف بين المسلمين في المدينة وقريش في مكة وسائر المشركين حولها. يقول الأستاذ محمد عزة دروزة بحق في كتابه: «سيرة الرسول صور مقتبسة من القرآن الكريم):

ولا ريب في أن هذا الصلح الذي سماه القرآن بالفتح العظيم يستحق هذا الوصف كل الاستحقاق. بل إنه ليصح أن يعد من الأحداث الحاسمة العظمى في السيرة النبوية، وفي تاريخ الإسلام وقوته وتوطده، أو بالأحرى من أعظمها. فقد اعترفت قريش بالنبي والإسلام وقوتهما وكيانهما، واعتبرت النبي والمسلمين أندادا لها، بل دفعتهم عنها بالتي هي أحسن، في حين أنها غزت المدينة في سنتين مرتين، وكانت الغزوة الأخيرة قبل سنة من هذه الزيارة، وبحشد عظيم مؤلف منها ومن أحزابها لتستأصل شأفتهم، وبعثت هذه الغزوة في نفوس المسلمين أشد الاضطراب والهلع؛ لضعفهم وقلتهم إزاء الغزاة. ولهذا شأن عظيم في نفوس العرب، الذين كانوا يرون في قريش الإمام والقدوة، والذين كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>