للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقتضيه، والعمل بها أولى من العمل بالحديث لتواترها وخصوصها، والعام يحتمل التخصيص، ولأنها لم تخصص إذ كل فاسق مردود، والحديث خص منه خبر الكافر.

وأجيب بأن مفهومها أن الفسق هو المقتضي للتثبت فيراد به ما هو أمارة الكذب لا ما هو أمارة الصدق فافهم، وليس من الفسق نحو اللعب بالشطرنج من مجتهد يحله أو

مقلد له صوبنا أو خطأنا، لوجوب العمل بموجب الظن ولا تفسيق بالواجب، وحد الشافعي- عليه الرحمة- شارب النبيذ، ليس لأنه فاسق، بل لزجره لظهور التحريم عنده، ولذا قال: أحدّه وأقبل شهادته، وكذا الحد في شهادة الزنا لعدم تمام النصاب لا يدل على الفسق بخلافه في مقام القذف فليحفظ).

٢ - قال الألوسي: (والخطاب في قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما على ما في البحر لمن له الأمر وروي ذلك عن ابن عباس وهو للوجوب، فيجب الإصلاح، ويجب قتال الباغية ما قاتلت، وإذا كفّت وقبضت عن الحرب تركت، وجاء في حديث رواه الحاكم وغيره حكمها إذا تولت، قال عليه الصلاة والسلام: «يا ابن أم عبد، هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم، قال: لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسّم فيؤها» وذكروا أن الفئتين من المسلمين إذا اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا فالواجب أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافة والموادعة، فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقاما على البغي صير إلى مقاتلتهما، وأنهما إذا التحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما- وكلتاهما عند أنفسهما محقة- فالواجب إزالة الشبهة بالحجج النيرة، والبراهين القاطعة، واطلاعهما على مراشد الحق، فإن ركبتا متن اللجاج، ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه، فقد لحقتا باللتين اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا، والتصدي لإزالة الشبهة في الفئة الباغية- إن كانت لازم قبل المقاتلة، وقيل: الخطاب لمن يتأتى منه الإصلاح ومقاتلة الباغي، فمتى تحقق البغي من طائفة كان حكم إعانة المبغي عليه حكم الجهاد، فقد أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت في نفسي من هذه الآية يعني: وَإِنْ طائِفَتانِ إلخ إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى- يعني بها معاوية ومن معه الباغين- على علي كرم الله تعالى وجهه، وصرح بعض الحنابلة بأن قتال الباغين أفضل من الجهاد؛ احتجاجا بأن عليا كرم الله تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته بقتالهم دون الجهاد، والحق أن ذلك ليس على إطلاقه؛ بل

<<  <  ج: ص:  >  >>