للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفصّل، وأن سورة (ق) ينتهي بها قسم المثاني، والذي دعاني إلى هذا القول استقرائي لمعاني القرآن وأسلوبه، فقد رأينا في سورة الصافات أنها كانت بداية لمجموعة، وهي مبدوءة بقسم مباشر وَالصَّافَّاتِ فهي تشبه سورة وَالذَّارِياتِ ومن ثم قلنا:

إن سورة الذاريات بداية مجموعة، وبداية قسم، وسنرى في المفصّل بشكل واضح أنه حيث جاء القسم بشكل مباشر فذلك علامة على بداية مجموعة لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ... وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ... وَالسَّماءِ ...

وَالْفَجْرِ ... وَالتِّينِ ... وَالْعَصْرِ ... فهذا أول شئ دعانا إلى اعتبار الذاريات هي بداية قسم المفصّل، ثم لاحظنا من قبل أن سورة الشورى مبدوءة بقوله تعالى حم عسق مما يشير إلى أن سورة (ق) مشدودة إلى هذا القسم الذي فيه سورة الشورى، فهي ألصق بقسم المثاني، وهذا معنى ثان دعانا إلى هذا القول وهو أنّ سورة (ق) هي نهاية قسم المثاني، وليست بداية قسم المفصّل. ومن كلام العرب (قلت لها قفي فقالت قاف) أي وقفت فعبّر بالحرف عن الكلمة، وهذا البيت مشهور عند العرب، والوقوف يتضمن معنى نهاية السير، ولا نستبعد أن يكون ختم قسم المثاني بحرف (قاف) يتضمن إشارة إلى أن سورة (ق) نهاية سير قسم المثاني، وهذا معنى آخر نستأنس به على أن سورة (ق) نهاية قسم، وقد ذكر ابن كثير أن أحد الأقوال الضعيفة في (ق) أنه إشارة إلى كلمة وهو قول مردود، ولذلك فقد استأنست به استئناسا قال ابن كثير: (وقيل المراد قضي الأمر والله، وأن قوله جل ثناؤه ق دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر* قلت لها قفي فقالت ق* وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه، ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف؟). وقد استأنست استئناسا بأصل الفكرة أن يكون في الحرف قاف إشارة إلى معنى الوقوف، خاصة والعرب استعملته في ذلك. وأهم من كل ما ذكرته في الاستدلال على أن سورة (ق) هي نهاية قسم المثاني، وليست بداية قسم المفصّل هو معناها ومحلها وصلتها بما قبلها، وتفصيلها لمحور يأتي في أعماق سورة البقرة بينما تفصّل سورة الذاريات في مقدمة سورة البقرة بشكل واضح كما سنرى، مما يؤكد أن سورة الذاريات بداية قسم، وأن سورة (ق) نهاية قسم.

فإذا اتضحت هذه المعاني وعرفنا كما ذكرنا من قبل وكما سنذكر في ابتداء الكلام عن المفصّل أنّ القضية اجتهادية، بدليل كثرة الأقوال فيها، مما يشير إلى أن ما ورد في الموضوع ليس حاسما فإن ما ذهبنا إليه له وجهه، مع ملاحظة أن الدليل الوحيد الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>