الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، إذ المجموعة تتحدث عن اضطراب قول الكافرين في القرآن، وانصرافهم عنه، وعن شكهم وعن غفلتهم وعن جهلهم، كما تحدثت عن تفصيلات في موضوع الصلاة والإنفاق، وما يستحق أصحاب ذلك عند الله، وأما صلة مقدمة السورة بهذه الفقرة فمن حيث إن المقدمة قررت مجئ اليوم الآخر، والفقرة الأولى بينت اختلاف الناس في القرآن الذي يتحدث عن اليوم الآخر، فانقسم الناس- كأثر عن ذلك- إلى قسمين: كافر وتقي، هذا ما جزاؤه؟ وهذا ما جزاؤه؟.
وواضح أن الربط بين المقدمة والفقرة الأولى كان على اتجاه قتادة في تفسير قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ* يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ في أن الضمير في (عنه) يعود إلى القرآن، أما النسفي فإنه يربط بين آيات الفقرة الأولى وآيات المقدمة بما يلي:
(أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه، فمنهم شاك، ومنهم جاحد، ثم قال: يُؤْفَكُ عن الإقرار بأمر القيامة من هو مأفوك). وعلى هذا القول فالفقرة من بدايتها تتحدث عن اليوم الآخر، واختلاف الناس فيه، وانصراف بعض الناس عنه، وما يستحقون بسبب ريبهم وشكهم وغفلتهم واستبعادهم وقوعه من عقاب، بينما المتقون المحسنون يستحقون الثواب، وإذ يتقرر ذلك فإن الله عزّ وجل يذكر المؤمنين بالآخرة بآياته التي يرونها في الأرض وفي الأنفس، مما يستدلون به على هذا اليوم الآخر، وبهذا تعرف صلة قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ... بما قبله من سياق السورة، وعلى هذا:
فالفقرة الأولى كالمقدمة في كونها تتحدث عن اليوم الآخر، وما للمؤمنين به العاملين له من أجر، وما على الكافرين به من وزر، وماذا في الكون والأنفس من آيات تدل على اليوم الآخر، وعلى هذا فالصلة بين ما مر من آيات السورة واضحة، والصلة بين السورة وبين محور السورة واضحة؛ فمحور السورة الذي يصف المتقين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تفصل فيه هذه الآيات، فقد فصلت الآيات في صفات المتقين، وبينت أن أهل اليقين بالآخرة يرون في الأرض وفي أنفسهم من الآيات الكثير الكثير.