هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فهي تكمل البناء الذي بدأته سورة الذاريات، فلئن كانت سورة الذاريات قد أمرت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالتذكير، وبينت أن الذكرى تنفع المؤمنين، فهذه تأمره بالتذكير المطلق، وتحدد له معالم يناقش بها الكافرين، وإذا كانت سورة الذاريات قد ذكرت الحكمة من خلق الخلق وهي العبادة، فهذه السورة تأمر بأنواع من العبادة، وإذا كانت سورة الذاريات قد وصفت المتقين بأنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، فهذه السورة تأمر بالتسبيح بحمد الله في قيام الليل، وعند الأسحار، وإذا كانت سورة الذاريات أجملت في تفصيل نعيم أهل الجنة، وبما استحقوا هذا النعيم، فإن سورة الطور تفصل في ذلك، كما أنها تفصل في عذاب الكافرين، وفي ما استحقوه، وكل ذلك يأتي ضمن سياق السورة الخاص:
فالسورة تبدأ بالقسم على أن عذاب الله آت، وتبين كيف يعذب الكافرون وينعم المتقون، وإذا كان أمام الإنسان ما أمامه، فليذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان، وليناقش الكافرين، وإذا كان الكفار مع وجود الآيات يكفرون، فليتركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمصيرهم، وليصبر، وليسبح بحمد الله في ليله ونهاره.
إن فلاح المتقين يظهر في شيئين: في الخلاص من العذاب، وفي تذوق النعيم، والسورة تبين هذا وهذا، ولقد ركزت سورة الذاريات على الصلاة والإنفاق من صفات المتقين، وتركز سورة الطور على الإيمان من صفات المتقين: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وركزت على الخوف والعبادة كطريقي نجاة: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ* فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.
وهكذا نجد تفصيلا بشكل ما للآيات الأولى من سورة البقرة: سواء في ذلك قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فسورة الطور تناقش الذين لا يهتدون بكتاب الله: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.
- أو قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فسورة الطور تبين عذاب المكذبين، وتناقشهم، وتبين أن كل النعيم الذي يناله المتقون هم وذرياتهم بسبب الإيمان.