التذكير يحتاج إلى صبر وإلى تسبيح فقد انتهت السورة بالأمر بذلك.
٥ - قلنا: إن السور الثلاث: الذاريات والطور والنجم كلها تفصل في محور واحد، وسنرى كيف أن كلا منها قد فصل بما يكمل تفصيل الآخرين، وقد أشرنا عدة إشارات إلى الصلات بين سورة الذاريات والطور، وهاهنا نضيف:
لقد وردت في سورة الذاريات: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ* يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ فالكافرون أقوالهم مختلفة، متناقضة، وبسبب هذه الأقوال فإن المصروفين يصرفون عن الحق، والملاحظ أن سورة الطور فصلت في أقوالهم المتناقضة التي بسببها يصرف المصروفون عن الحق: وهي الزعم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم كاهن، أو مجنون، أو شاعر، فهذه اتجاهات متناقضة، وكل منها يصرف بسببه عن الإيمان بعض الناس، وهناك آخرون يرون لأنفسهم عقولا يطغون بسببها، فهذا وضع آخر يصرف بسببه المصرفون، وهناك ناس يزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن من عند نفسه، وبسبب ذلك يصرفون عن الحق، وهناك آخرون غافلون عمن خلقهم وعمن خلق الخلق، وبعضهم لا يرى أن لهذا الكون خالقا، فبسبب ذلك يصرفون عن الحق، وهناك آخرون غافلون عن العناية المحيطة بهم فبسبب ذلك يصرفون عن الحق، وهناك ناس تعميهم السيطرة والسلطان فيصرفون بسبب ذلك عن الحق، وهناك ناس يصرفون عن الحق بسبب غفلتهم عن الوحي، وهناك ناس يصرفون عن الحق بسبب تصورات خاطئة في موضوع الألوهية، وهناك ناس يصرفون عن الحق بسبب الحقد والكيد للإسلام وأهله، كل ذلك ذكر في سورة الطور، وله صلة بما ذكر في سورة الذاريات، ولكنه جاء في سياق سورة الطور، ليقيم الحجة على كل أصناف الكافرين، وجاء بصيغة التذكير انسجاما مع السياق فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ* أَمْ يَقُولُونَ ... أَمْ تَأْمُرُهُمْ ....
...
فالتكامل بين سور المجموعة قائم، وسيتضح معنا هذا الموضوع كلما سرنا في عرض سور المجموعة، فلنر سورة النجم.