قال النسفي:(ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد، وقررهم عليه، كان كالوحي لا نطقا عن الهوى) وقال ابن كثير: (أي إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان كما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليدخل الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين- أو مثل أحد الحيين- ربيعة ومضر» فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر قال: «إنما أقول ما أقول».
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو وقال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق» ورواه أبو داود.
وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه» ثم قال: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا أقول إلا حقا» قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال:«إني لا أقول إلا حقا»).
٤ - في فهم قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يثور جدال عنيف حول رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه يوم الإسراء والمعراج، وكل من المختلفين يحاول أن يستدل بالآيات على النفي أو الإثبات، والذي أراه أن هذه الآيات لا تصلح شاهدا لهذا الموضوع، بل هي في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية، وعلى هذا فموضوع الرؤية ينبغي أن يبحث على أنه موضوع مستقل عن هذه الآيات، وقد نقل ابن كثير الكثير من الروايات المتعلقة بالآيات، وكثيرا من وجهات النظر فيها، وقد اعتمدنا في صلب التفسير ما اعتمده، وهاهنا ننقل بعض ما ذكره في هذا المقام قال:
(وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة، بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة، فأوحى الله إليه صدر سورة (اقرأ)، ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها مرارا ليتردى من رءوس الجبال، فكلما هم بذلك ناداه جبريل من الهواء يا محمد أنت رسول الله حقا، وأنا جبريل، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه، وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدى له جبريل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق، فاقترب منه وأوحى إليه عن الله عزّ وجل ما أمره به، فعرف عند ذلك عظمة الملك