بها، وجب لها مهر مثلها إذا كانت مفوضة. وإن كان قد فرض لها، وطلقها قبل الدخول: وجب لها عليه شطره، فإن دخل بها استقر الجميع.
٣ - رأينا أن المطلقة إذا سمي لها صداق ثم فارقها قبل دخوله بها، فإنه يجب لها نصف ما سمي من الصداق. وهذا أمر مجمع عليه. وعند الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد أن الخلوة بها حكمها حكم الجماع، ولو لم يحدث جماع. فيجب عندهم جميع الصداق إذا خلا بها الزوج، وإن لم يدخل بها. وهو مذهب الشافعي في القديم، وبه حكم الخلفاء الراشدون. ولكن الشافعي ذهب في الجديد إلى مذهب ابن عباس الذي يقول: في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها، ولا يمسها، ثم يطلقها، ليس لها إلا نصف الصداق. قال الشافعي بهذا أقول: وهو ظاهر الكتاب.
٤ - أخرج ابن أبي حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ولي عقدة النكاح الزوج» وأخرج عن عيسى بن عاصم قال: سمعت شريحا يقول: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح؟ فقلت له: هو ولي المرأة. فقال علي: بل هو الزوج. ومن حجج الحنفية على من قال: إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي كمالك: أن الولي لا يملك التبرع بحق الصغيرة. فكيف يجوز حمل الآية عليه، وهو لا يملك العفو.
٥ - بمناسبة قوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ذكر ابن كثير كلاما أخرجه ابن مردويه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليأتين على الناس زمان عضوض، يعض المؤمن على ما في يديه، وينسى الفضل. وقد قال تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. شرار يبايعون كل مضطر». وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر. فإن كان عندك خير، فعد على أخيك، ولا تزده هلاكا إلى هلاكه. فإن المسلم أخو المسلم لا يحزنه، ولا يحرمه». وذكر ابن كثير كلاما لعون ابن عبد الله. آخره له علاقة بقوله تعالى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. هو:
عن أبي هارون قال:(رأيت عون بن عبد الله في مجلس القرظي. فكان عون يحدثنا، ولحيته ترش من البكاء ويقول: صحبت الأغنياء. فكنت من أكثرهم هما حين رأيتهم أحسن ثيابا، وأطيب ريحا، وأحسن مركبا. وجالست الفقراء، فاسترحت بهم. وقال: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إذا أتاه السائل، وليس عنده شئ فليدع له).