قال: جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال: يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وقالوا نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه قال: فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له أتؤمن بهذا؟ قال آمنت به ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه، وما لي لا أومن بهذا الكتاب؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن). أقول: لعل الكتاب الذي ذكره ابن مسعود هو التلمود وفيه الطامات الفظيعة، وهذا إذا كان المراد ببني إسرائيل اليهود، أما إذا كان المراد النصارى لأن الحواريين من بني إسرائيل وعامة من آمن بعيسى في حياته منهم، فقد يكون المراد بالكتاب ما استقرت عليه الكنيسة من باطل في زمن قسطنطين.
١٢ - بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال الألوسي: (أي أولئك هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله تعالى وأخبار رسله عليهم الصلاة والسلام والقائمون بالشهادة لله سبحانه بالوحدانية، وسائر صفات الكمال، ولهم بما يليق بهم من ذلك، لهم الأجر والنور الموعودان لهم، وقال بعضهم: وصفهم بالشهادة لكونهم شهداء على الناس كما نطق به قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فعند ربهم متعلق بالشهداء، والمراد الشهداء على الناس يوم القيامة، وجوز تعلقه بالشهداء أيضا على الوجه الأول على معنى الذين شهدوا مزيد الكرامة بالقتل في سبيل الله تعالى يوم القيامة، أو في حظيرة رحمته عزّ وجل أو نحو ذلك، ويشهد لكون الشهداء معطوفا على الصديقين آثار كثيرة.
أخرج ابن جرير عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مؤمني أمتي شهداء، ثم تلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ»، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال يوما لقوم عنده: كلكم صديق وشهيد قيل له: ما تقول يا أبا هريرة؟ قال: اقرءوا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ الآية، وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن مجاهد قال: كل مؤمن صديق وشهيد ثم تلا الآية،