١٧ - بمناسبة قوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ قال الألوسي: (أي: بالحجة والسيف وما يجري مجراه أو بأحدهما، ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحققها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبا، فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب كقوم نوح. وقوم صالح. وقوم لوط. وغيرهم، والحرب بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين وإن كانت سجالا إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة والسلام، وكذا لأتباع الرسل بعدهم، لكن إذا كان جهادهم لأعداء الدين على نحو جهاد الرسل لهم بأن يكون خالصا لله- عزّ وجل- لا لطلب ملك، وسلطنة، وأغراض دنيوية، فلا تكاد تجد مجاهدا كذلك إلا منصورا غالبا، وخص بعضهم الغلبة بالحجة لاطرادها وهو خلاف الظاهر، ويبعده سبب النزول، فعن مقاتل: لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين، والطائف، وخيبر وما حولها قالوا: نرجو أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال عبد الله بن أبي: أتظنون الروم، وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزلت كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصر رسله عَزِيزٌ لا يغلب على مراده عزّ وجل).
١٨ - عند قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... قال ابن كثير:(وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره أنزلت هذه الآية لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى آخرها في أبي عبيدة عامر ابن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم: ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، وقيل في قوله تعالى: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر أَوْ أَبْناءَهُمْ في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن أَوْ إِخْوانَهُمْ في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وفي حمزة وعلي وعبيدة ابن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ فالله أعلم).
قال ابن كثير: (ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو