إمرة طالوت. وفي التابوت ما يتباركون به. وهو آثار من موسى وهارون. ومجئ المعجزة في هذه الحال لا تبقي شكا لمؤمن أن الله هو الذي اصطفى طالوت وأن نبيهم صادق، وأن طالوت يستأهل ما أقامه الله فيه. فالمفروض بعد هذا أن يكونوا على منتهى الطاعة والاندفاع في القتال.
- وفي الآية الرابعة يبين الله عزّ وجل الظرف الذي وضع فيه طالوت قومه. عند ما خرج بهم للقتال، فالقتال يحتاج إلى انضباط. وفي فن الحرب يستحيل أن يكسب جيش لا انضباط فيه معركة. فكانت أول عملية قام بها طالوت- بأمر الله- هو اختبار انضباط هذا الجيش، بقضية تخالف الأهواء. وهي أنه كلفهم حين مرورهم على نهر الشريعة- الذي يسمى الآن نهر الأردن- ألا يشربوا منه إلا في حدود الغرفة الواحدة، فلم يلتزم بهذا الأمر إلا القليل. هذا القليل هو وحده الذي سمح له طالوت بتجاوز النهر. إذ هم المؤمنون حقا. والمطيعون حقا، والراغبون في الجهاد حقا. فلما جاوزوا النهر، رأوا قلتهم، فلما رأوا قلتهم ظهرت فيهم الظاهرتان الموجودتان دائما في هذه الأحوال، حتى عند أهل الإيمان. ظاهرة الذين يعطون الأسباب أكثر من حجمها، فهؤلاء قالوا بأنهم لا يستطيعون أن يربحوا المعركة ضد جالوت وجنده، والظاهرة الثانية ظاهرة المؤمنين المتوكلين، الذين لا يغفلون الأسباب. ولكن يعطونها حجمها، مع الثقة الكاملة بالله، فهؤلاء قالوا بأن الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة إذا وجدت مشيئة الله. وقد وعد الله الصابرين بأن يكون معهم. فإذا صبرنا فنحن الغالبون.
- وفي الآية الخامسة، يصف الله عزّ وجل التقاء الجمعين. وحال أهل الإيمان بالافتقار إلى الله في تلك الساعة الحاسمة، ودعائهم الله عزّ وجل أن يصبرهم ويثبت أقدامهم وينصرهم. وهذا منتهى الافتقار لله. حيث طلبوا منه الصبر، والتثبيت، والنصر. فلم يقولوا لله: علينا كذا، وعليك كذا. بل طلبوا منه أن يعينهم على ما كلفهم، وأن يعطيهم ثمرة ذلك.
- وفي الآية السادسة بيان النتيجة. وهي النصر، وقتل جالوت على يد داود الذي جمع الله له النسب والعلم، والقوة الجسدية، وآتاه الملك، والحكمة بعد طالوت، ثم ختمت الآية بالقاعدة التي تبين حكمة مشروعية القتال في الإسلام، وهي أنه لولا أن الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض، ويكف بذلك فسادا، لغلب المفسدون وفسدت